قال ابن جرير - رحمه الله -: (وهذا قَسَمٌ من الله جل ثناؤه، أقسم أنّ مَنْ تبع من بني آدم عدوَّ الله إبليس، وأطاعه، وصدّق ظنّه عليه = أنْ يملأ من جميعهم - يعني: مِن كَفَرة بني آدم تُبّاع إبليس، ومن إبليسٍ، وذرّيته - جهنمَ. فرحم الله امرًا كذّب ظنَّ عدو الله في نفسه، وخيّب فيها أمله، وأمنيته .. )(١) .
وأما قوله:(لا يُعقَل لمن هذا شأنه أن يقدر على ما قدر عليه ربه .. ) الخ
فقد ضمّن دعواه ثلاثة أغاليط:
الأول: عَدُّه إثبات ما ثبت في النصوص الشرعية من قدرة للشيطان على التزيين والوسوسة = مساواةً لقدرة الرب تبارك وتعالى. وهذه التسوية ممتنعةٌ؛ للفرق بين الحقيقتين. فالله خالقٌ، والشيطان مخلوق؛ وبحسب هذا الفرق ينشأ الفرق بينهما؛ ذاتًا، وصفاتًا. فكما أَنَّ ذاتَ اللهِ لا يماثلها شيء من الذوات، فكذلك صفاته لا يماثلها شيء من الصفات. ومن تلك الصفات التي تتبع حقيقتُها حقيقةَ الذات: صفة القُدرة. فقُدرة الرب تبارك وتعالى لا حدَّ، ولا مُنتهى لها، ولا معاوق يحول دونها، يحقق ذلك قوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)} البقرة.
وأما قدرة الشيطان فمخلوقة محدودة، لا تنفذ قدرته إلا بمشيئة الله عز وجل، وهو الذي أقدره على الوسوسة، لا يستقل بقدرته عن الله تعالى.
الثاني: دعواه أن الذي دلّ عليه الخبر هو إسناد قدرةٍ للشيطان يرقى بها إلى معرفة أسرار القلوب. وهذه دعوى؛ إذْ لم ينطق النص