للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السابق بنفْيٍ أو إثباتٍ. وما دام الأمر كذلك؛ فلا يلزم جريانه في الإنسان، من اطلاعه على ما في قلبه، وإن كان علم ما في القلب، قد يقال: إنّه ليس من الغيب الذي اختص به الرب تبارك وتعالى؛ بل قد يُطْلِع الله سبحانه الملائكةَ على بعض ما في قلب العبد، كما ثبت عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا همَّ العبد بحسنةٍ كتبت له حسنة، فإن عَملَها كتبت له عشر حسنات، وإذا همَّ بسيئةٍ لم تكتب عليه، فإن عملها كتبت سيئة واحدة، وإن تركها كتبت له حسنةً) (١) . وفي رواية لمسلم: ( .. قالتِ الملائكةُ: ربِّ ذاك عَبْدٌ يُريدُ أَن يعمل سيئةً -وهو أَبْصَرُ به- قال: ارقبوه، فإن عَملها، فاكتبوها بمثلها، وإِن تركها، فاكتُبوها حسَنَةً، إنَّما تَركها مِن جَرَّايَ) .

فإذا كان الله قد يُطْلِعُ بعض ملائكته على بعض ما يهمّ به العبد (٢) من حسنة أو سيئة؛ دلّ ذلك أنّ وقوع العلم ببعض ما في القلب =ليس من الغيب الذي يختص به الله - عز وجل -. فأمْر إطْلاعِ الله الشيطان على ما بعض انطوت عليه القلوب =جائز عقلًا، ويبقى وقوعه مرتهنًا بتصحيح الشرع له = وبذا ينخرم أصل المنع المطلق، الذي ادّعاهُ، وهوَّل به.

الثالث: نَفْيُه قدرة الشيطان على الوسوسة = وهذا منتهى المراغمة لما صدع به القرآن، قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلَهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦)} الناس.

ومن المعلوم أَنَّ الوسواسَ الخَنَّاسَ الذي يُوسْوس في صدور الناس


(١) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب: " الرقاق " باب " من همَّ بحسنةٍ أو سيئةٍ " (١٣٧٠ - رقم [٦٤٩١]) . ومسلم كتاب " الإيمان " باب " إذا هم العبد بحسنةٍ كتبت، وإذا هَمَّ بسيئةٍ لم تكتب " (١/ ١١٧ - رقم [١٢٩]) .
(٢) انظر: " بيان تلبيس الجهمية " (٦/ ٣٨)، و " فتح الباري " (١١/ ٣٩٤ - ط السلام) .

<<  <   >  >>