للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

-كما في الآية- هما شيطان الإنس، وشيطان الجن (١) . وإثبات الوسوسة -كما ثبت في النص- = لا يلزم منه إثبات اطّلاع الشيطان على أسرار القلوب، ولا إثبات قدرته على جبر العبد، وسلب اختياره - كما توهّم المعترض-. وأمّا حَمْلُه لِما ثَبَت في الحديث من جريان الشيطان في الإنسان = على المجاز؛ فقولٌ مرجوحٌ، والحامل له على ذلك ما توهمه من كون إثبات الحقيقة يستلزم الجبر، وليس الأمر كما توهم -كما سبق-. ثم إن دعوى المجاز لا يُصار إليها إلا بقرينة؛ إذ الأصل في الكلام الحقيقة، ولا قرينة هنا؛ إلا ما توهَّم. وليس كل قرينة مُتَوَهَّمةٍ تصلح لصرف الخبر عن ظاهره إلى المجاز. وإبقاء الحديث على ظاهره هو قول المحققين من أهل العلم؛ كالإمام ابن حزم الظاهري، وابن تيمية، وتلميذه ابن القيم. قال أبو محمد ابن حزم - رحمه الله -: (صَحّ النصُّ بأنهم يوسوسون [أي الجن] في صدور الناس، وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدّم = فوجب التصديق بذلك حقيقةً) (٢) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ( ... كما حَرَّم الدّم المسفوح؛ لأنه مَجْمَع قُوى النَّفس الشَّهَوِيّة الغَضَبِيّة، وزيادته توجب طغيان هذه القوى؛ وهو مجرى الشيطان من البدن، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) ... ) (٣) .

وقال ابن قيم الجوزية: (ولا ريب أنّ ذِكْر اسم الله على الذبيحة يُطيّبها، ويطرد الشيطان عن الذابح والمذبوح. فإذا أخلّ بذكر اسمه لابَسَ الشيطان الذابح والمذبوح، فأثّر ذلك خُبثًا في الحيوان. والشيطان


(١) انظر:"المحرر الوجيز"لابن عطيَّة (٨/ ٧١٧ - ٧١٨) .
(٢) " الفصل " (٥/ ١١٢) .
(٣) " التفسير الكبير " (٧/ ٢٧٧) . وانظر:"مجموع الفتاوى" (٥/ ٥٠٨) .

<<  <   >  >>