للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكن وقوع المعاريض، منهم غير ممتنع إذا كان لداعٍ استدعاهم لذلك في غير التبليغ.

ثم إنَّ في نص النبي - صلى الله عليه وسلم - على انتفاء الكذب عن إبراهيم - عليه السلام - إلَّا في تلك الكلمات =دليلًا بيِّنًا على امتناع وقوعها فيما بلَّغ - عليه السلام -، وانحصارها في غير ذلك لتحقق المصلحة ورجحانها: من ذبٍّ عن عرض، وإبطال عبادة غير الله على وجه الحِجَاجِ والمُنَاظَرَةِ.

فإن قيل: ثبوت الكذب ولو مرة واحدة عنهم يطعن في عصمتهم في التبليغ والوحي.

فيقال: البراهين قد انتصبت على عصمتهم في التبليغ والوحي، ولا يطعن في عصمتهم ما ذُكر من شأن تلك الكذبات، إذ تبيَّن وجهها، فبرهان العصمة إذًا متحقق في الوجود، إلَاّ إذا كان المنكرون للحديث لا دليل عندهم على عصمتهم إلَاّ رد هذين الحديثين؛ فعندئذٍ لا مناص لهم إلَاّ أَن يتطلّبوا براهينها عند الأئمة المحققين؛ لئلَّا تنتقض معاقد الدِّين عندهم بسبب فوات تحصيلهم لهذه البراهين، ثمَّ إنَّ هذه الكذبات الواردة من باب الخطإ والنسيان المجوَّز وقوعهما في حقِّ الأنبياء عليهم السلام فهم قد ينسون، وقد يخطئون فيما اجتهدوا فيه دون إقرار من الله - عز وجل - على الخطأ (١)، وما اعترضوا به من امتناع الكذب، ليس هو فيما سبيله التبليغ عن الله، فما كان جوابًا عن النسيان والاجتهاد = كان جوابًا عن هذين الحديثين سواء بسواء.

وأما دعواهم أن ما ورد عن إبراهيم - عليه السلام - لا يدخل في حقيقة الكذب، ولا يطلق عليه كذلك.


(١) انظر: "إكمال المعلم"للقاضي عياض (٢/ ٨٤٩ - ٨٥٠) "الشفا" له أَيضًا (١٤٠)، و"مجموع الفتاوى" (٤/ ٣١٩) و"الموافقات"للشَّاطبي (٤/ ٣٣٥)، و"نظم الفرائد" للعلائي (١٧١)

<<  <   >  >>