وبهذا الإلزام يغرقُ المعترض في مَخَاضَةٍ لا محيص له عنها؛ إلاّ باتهام رأيه قبل التسارع في الطعن في الدلائل ببادي الرأي.
- الوجه الثالث: أنّ حصول الأمن لدى بعض الخلق لا ينفي حصول الخوف عند غيرهم، وحصول الانحراف في فَهم بعض الأدلّة لا يكون باعثًا لردّها؛ وإلاّ للزم ردّ كثير من نصوص الشريعة بحجّة أنها قد تكون حاملة على الاتكال والقعود. والفقيه حقًّا من بصَّر الناسَ بحقيقة هذه الأشراط، وحكمتها؛ ليستقرَّ أثرها في القلوب؛ ومِن ثَمّ تنبعث الجوارح تأهُّبًا ليوم المعاد = لا أنْ يُتَسلَّط على تلك الأحاديث بالتعطيل لها؛ تعلُّقًا بكلّ سبب، واسترواحًا إلى كلِّ شَغَب.
- الوجه الرَّابع: أنّ من مثارات الغلط في هذه الدّعوى نَصْبَ التلازم بين التصديق بهذه الأشراط، وبين انتفاء ما اختصّت به السَّاعة من مجيئها بغتةً = والواقع أنَّ التلازُمَ مُنْتَفٍ؛ فإنّ هذه الأشراط التي صحّ الخبر بها، غايتها أن تتميّز بها السَّاعة قدرًا من التمييز. وأما التحديد التام فهو من الغيب المطلق الذي اختصّ الله به.
قال جلّ ذكره:{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} لقمان: ٣٤.
قال إمام المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله -: ( .. مما أنزل الله من القرآن على نبيه - صلى الله عليه وسلم - ما لا يوصل إلى علم تأويله، إلَاّ ببيان الرسول - صلى الله عليه وسلم - ... وأنّ منه مالا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهّار، وذلك ما فيه من الخَبَر عن آجالٍ حادثة، وأوقات آتية؛ كوقت قيام السَّاعة،