للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنفخ في الصور، ونزول عيسى ابن مريم، ووقت طلوع الشمس من مغربها، وما أشبه ذلك.

فإن تلك أوقات لا يعلم أحدٌ حدودَها، ولا يعرف أحد من تأويلها إلاّ الخبرَ بأشراطها؛ لاستئثار الله بعلم ذلك على خلقه، وبذلك أنزل ربُّنا في محكم كتابه ... ، وكان نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكر شيئًا من ذلك لم يدلّ عليه إلاّ بأشراطه، دون تحديد وقته؛ كالذي رُوِي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لأصحابه - إذْ ذَكر الدّجّال -: (إنْ يخرُج وأنا فيكم، فأنا حجيجه. وإنْ يخرجْ بعدي فالله خليفتي عليكم) (١) . وما أشبه ذلك من الأخبار ... الدالّة على أنّه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن عنده علِم أوقات شيءٍ منه بمقادير السنين والأيام، وأن الله جلّ ثناؤه إنّما عرّفه مجيئه بأشراطه، ووقته بأدلّته) (٢) .

ومحصّل القول أنّ هذه الأشراط إنّما تدلّ على قُرب السَّاعة، لا على تحقق العلم بوقوعها «فالسَّاعة كالحامِلِ المُتِمّ؛ لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادتها، ليلًا أو نهارًا.» (٣) وعلّة ذلك انتفاء العلم بالمدّة الزمنية بين تلك الأَشراط وبين وقوع السَّاعة. وبهذا يكون الأمر نقيضَ ما ذكره المعترضون؛ بأن يكون العلم بهذه الشراط باعثًا على العملِ، موقِظًا من الغفلة، زاجرًا عن التمادي في المعاصي. وما قطع قلوب الصالحين، وأذاب أكبادهم = كمثل تذكّر تلك الأهوال العظام، و ما فيها من فِتَنٍ تفزع منها القلوب.


(١) أخرجه مسلم في: كتاب"الفتن وأَشراط السَّاعة"،باب"ذكر الدَّجَّال وصفة ما معه" (٤/ ٣٧٥) .
(٢) "جامع البيان" (١/ ٣٣) .
(٣) جزءمن حديث ورد مرفوعًا من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أخرجه أحمد في:"المسند" (١/ ٣٧٥) والحاكم في"المستدرك" (٢/ ٤١٦) وصحَّحه. وقد ضعفه الألباني في"السلسلة الضعيفة" (٩/ ٣٠٧) .

<<  <   >  >>