للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأوّل من نُسبِت إليه هذه الشبهة - بحسب ما وقفت عليه - هو إبراهيم النظَّام، أحدُ أئمة المعتزلة. ذكر ذلك القاضي عبد الجبار الهمداني في معرض الردِّ عليه؛ حيث قال مورِدًا لاعتراض النافِين لهذه الآية مستدلّين بقول النظَّام: (فإن قيل: ومِن أين لكم أن القمر قد انشقَّ له كما ادّعيتم؟ أتعلمون ذلك ضرورةً أم بدلالة؟ أوليس النظَّام قد شكّ في هذا، وقال: لو كان قد انشقّ لعلِم بذلك أهل الغرب والشرق؛ لمشاهدتهم له. وهذا شيء سيكون عند قيام الساعة، ومن أشراط القيامة، فبأي شيءٍ تردّون قوله، وتُثبِتُون غَلَطه إن كان قد غَلِط؟) (١)

تلقَّفها عنه تلميذُه، وربيب نحلته الجاحظُ؛ فقد نُقل عنه أنّه كان ينفي وقوع الانشقاق، ويقول: (لم يتواتر الخبر به) (٢)

وقد تلقَّف هذه الشبهة من المتأخرين الشيخُ محمد رشيد رضا - رحمه الله - ونظمَها في سلك اعتراضاته على هذا الحديث، فقال في ذلك: (ذكر علماءُ الأصول أن الخبرَ اللغوي ما يحمل الصدق والكذب لذاته ... وذكروا أنَّ مما يُقطعُ بكذبه؛ الخبر الذي لو كان صحيحًا لتوفرت الدواعي على نقله بالتواتُر؛ إمّا لكونه من أصول الشريعة، وإمّا لكونه أمرًا غريبًا؛ كسقوط الخطيب عن المنبر وقت الخطبة = ومن المعلوم بالبداهة: أن انشقاق القمر أمرٌ غريبٌ؛ بل هو في منتهى الغرابة التي لا يُعدّ سقوط الخطيب في جانبها غريبًا؛ لأن الإغماء كثيرُ الوقوع في كلّ زمن .. وانشقاق القمر غير معهود في زَمَنٍ من الأزمان، فهو محالٌ عادةً، وبحسب قواعد العلم مادام الكونُ ثابتًا، وإنْ كان ممكِنًا في نفسه لا يُعجِزُ الخالقَ تعالى إن أراده فلو وقع لتوفرت الدواعي على نقله


(١) "تثبيت دلائل النبوة"للقاضي عبدالجبَّار (١/ ٥٥ - ٥٦)
(٢) "الأزمنةُ والأمكنة" لأبي علي المرزوقي (١/ ٦٩)

<<  <   >  >>