للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمع كون هؤلاء الشُّفعاءِ أعظم الخلق جاهًا عند الله تعالى وقد رضي الله عنهم إلَّا أنَّه تعالى لم يقبل شفاعتهم؛ لعدم تحقُّق شَرْط الرِّضا عن المشفوع له. فلو كانت الشفاعة مقبولة من كل أحد دون قيد أو شرط؛ لَقَبِلَ الله شفاعة الرُّسلِ المتقدمة فلمَّا لم تُقبل = عُلِم أنه لا شريك له في ملكه، وأنه المانحُ مَن شاء من خلقه، الشفيعُ لمن ارتضاه لذلك.

وأما فيما يتعلق بالمعارضات العقلية المُساقة على نصوص الشفاعة لأهل الكبائر؛ فالجواب عنها في الفِقَرِ التَّالية:

الجواب عن المعارض الأول: وهو دعواهم: أن القول بالشفاعة يخرم أصل استحقاق الفاسق للعقوبة على جهة التأبيد =لا برهان عليه. فاستحقاق الفاسق أمرٌ، واستحقاقه لذلك على جهة الدوام أَمْرٌ آخر. فالأولُّ من معاقد الاتفاق بين أئمة السَّلف (١)؛ فلا مطعن فيه من هذه الحيثيَّة. لكنَّ ثبوتَ الاستحقاق لا يزيل ما كان ثابتًا قبل ذلك من استحقاق الثواب، وحينئذ لا يجري العقاب على جهة التأبيد والدوام بل يكون منقطعًا؛ لأن الضرورة الشرعية تنافي هذا القيد الذي رسموه. والقول باستحقاق العقوبة على جهة التأبيد هو توليد عن أَصلهم القاضي بامتناع اجتماع الثواب والعقاب في الشخص.

وقد تقدّم من قبلُ: أن دعوى الامتناع ليس محصلًا من براهين النقل ولا العقل؛ بل اجتماعهما ثابت بالنقل وجائز في العقل؛ لعدم تنافي الاستحقاقَيْن (٢) ثم لو قُدِّر التقابل بينهما على وجه يستلزم سقوط أَحدهما = لكان سقوط الثواب ليس بأولى من سقوط العقاب، بل ثبوت الثَّوابِ أَولى؛ لأنَّ عمومات الوعد راجحة على عمومات الوعيد. إذ إنَّ عمومات الوعد أكثر، والترجيح بالكثرة ملحوظ في ... الشرع (٣) .


(١) انظر: "مجموع الفتاوى" (٧/ ٥٠١)
(٢) انظر: "شرح المقاصد" (٥/ ١٤١)
(٣) انظر: "الأربعين في أصول الدين" للرازي (٢/ ٣٩٣ - ٣٩٦) .

<<  <   >  >>