للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها: أنَّ تغليب جانب العفو والرحمة وما يناسبهما = أَكثرُ ثناء على الله تعالى. ولذا كتب على نفسه الرحمة، وتمدّح بها، وكثرت أسماؤه المشتقة منها (١)

وأما القول بأن تصحيح انقطاع عذاب الفاسق يستلزم تصحيح انقطاع عذاب الكافر؛ قياسًا عليه، بجامع التناهي في المعصية = فهو قياس فاسد الاعتبار؛ لكونه في مقابل النص، فلا يُقبَل. هذا أولاً.

ثانياً: أنه لو قُدِّر انتفاء النصّ الدالّ على انقطاع عذاب أهل الكبائر = لَمَا صَحَّ هذا القياس؛ لأنه مرتَّبٌ في الاعتقادات. والقياسُ لا يجري في هذا الباب. بل لو قُدِّر جواز هذا النَّظْم = لما صَحَّ هذا الاعتبار؛ لأن علّة الأصل غير متحققة في الفَرْع. فالكُفْرُ غير متناهٍ؛ لا من جهة قَدْره، ولا من جهة قُبْحه. فإن الشرك والكفر من أعظم الظلم، ولأنَّ الكافر يعتقده مذهبًا للأَبد، فأوجب ذلك له عذاب الأبد (٢) .

بخلاف العاصي؛ فإنّه لا ينفك عن حال خوف العقاب، ورجاء المغفرة. وهذه أَحوال شريفة تقابل ما اقترفه من المعاصي في حال الغفلة عن تحقيق مقتضى اعتقاده. فلا يمكن؛ نقلًا ولا عقلًا -والحالُ هذه- التسويةُ بين المؤمن والكافر؛ لا من جهة الاعتقاد، ولا من جهة العَمَل، ولا من جهة العقوبة. والتسوية لا تقع إلا على وجه الشطط والمكابرة.

يقول الإمام القصّاب مبيّنًا المفارقة التي وقعت فيها الوعيدية؛ وعلى جهة التعيين المعتزلة: (إنْ أَوجدونا في القرآن كلِّه = أنّ الله لم يوجب الرحمةَ والفوزَ والجنةَ، إلا لمن لم يعصه طرفة عينٍ، أو عصاه فمات تائبًا =فالقولُ قولُهم (٣) وإلاّ؛ فليُقِرّوا أَنَّ الخُلودَ لا يجب على من


(١) انظر: "إيثار الحق على الخلق"لابن الوزير (٣٩٧) .
(٢) انظر: "شرح المقاصد" (٥/ ١٥٥) .
(٣) أي: قول الوعيدية.

<<  <   >  >>