للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آمن وعمل الصالحات. ولْيَعلموا أَنَّ هذا العادلَ - الذين يدعون الفَلسفة في معرفة عدلِهِ لا يُضِيع إيمانَ مؤمن وصالح عمله بذنب أذْنَبَه، فسوّى بينه وبين الكافر الذي لم يؤمن طرفة عين، ولا عمل من صالحِ عمله شيئًا. وما بال القضاء بالذنوب ينفي عن الله جل وتعالى محاماة عدله عندهم ولا ينفي عنه التسوية بين المؤمن والكافر في الخلود؟! وما بال إيمان الكافر إذا آمن لحظة يستعلي على كفره جميع عُمُره، وإحسان المؤمن عمره لا يستعلي على ذنب أذنبه؟ ومع إحسانه إِيمانه؛ أَلِأَنّ الذنب أَعظم من الكفر، وأوْزَنُ في الميزان منه؟! إن هذا منهم إلى تجوير الله - تعالى عن قولهم - أقربُ منه إلى تعديله (١) .

أما الجواب عن المعارض الثاني: وهو قياسهم قبح الشفاعة لمرتكب الكبيرة على قبح الشفاعة للمذنب المصرّ على جنايته في الدنيا = فيقال:

هذا قياس فاسد؛ لأنه لا يُسلَّم بإطلاق قبح العلّة في الأصل ليصح تعديتها إلى الفَرْعِ؛ ذلك أَنَّ الشفاعةَ للمُذْنِبِ لا تكون قبيحةً في الدُّنيا بإطلاق؛ إلا إذا عُلم من حاله عَزْمُهُ على المخالفة، وإِصرارُه على المعاودة. والقطْعُ بدوام العقد على الإصرار -فيما يتعلق بمرتكب الكبيرة في الآخرة- = متعذّرٌ.

ثم على تقدير صحة هذا القياس فإنه يلزم الوعيدية طردُهُ؛ بأن يسلّموا بأن العقوبة الأخروية لأهل الكبائر متناهية، كما أن العقوبة الدنيوية للمذنب المُصر متناهية. فإن أبوا التسليم = انتقض قياسُهم وبَطل. وقد سبقت الإبانة أن القياس إذا كان في معارضة النصوص يكون فاسد الاعتبار.


(١) نكت القرآن (٤/ ١٤٣ - ١٤٤) .

<<  <   >  >>