للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السنة والجماعة، لكن يبقى أن تحرير محلّ النزاع بينهم وبين أهل السنة والجماعة من أهم المقامات؛ لأن حصول الاشتراك في هذا القدْر من هذا الأصل قد يُوهِم بأنّ كلّ من التزم به؛ فإنه -بلا مثنوية - لا بدّ أن يلتزم بكل ما رتّبت المعتزلة عليه من أغاليط نسبتها للشرع.

وعليه؛ فإنّ مِن موارد النزاع بين أهل السنة والمعتزلة، ما يلي:

المورد الأول: أن أهل السنّة والجماعة؛ مع تقريرهم أن العقل يُدرِك حُسن الأفعال وقُبحها، وأنّ للأفعالِ صفاتٍ ذاتيّة تقتضي حُسنها وقُبحها = إلاّ أنهم في الوقت نفسه يقولون: إنّ العقل لا يستقلّ بإدراكٍ الحُسن والقُبح في جميع الأفعال والأحوال. وبناءً على ذلك؛ فإنهم لا يَقْصِرُون وظيفة الشرع على تأييد العقل، وتقرير ما دلّ عليه، بل كما أن الشرع يكون مقرِّرا، كاشفًا لما أدركه العقل؛ فإنه أيضًا يأتي مؤسِّسًا لحُسن بعض الأفعال وقُبحها. فالفعل تارةً يكونُ حُسْنه من جهة نفسه، وتارةً من جهة الأمْر به (١) .

المورد الثاني: أن التحسين والتقبيح لا يرتبط بهما الجزاء ثوابًا وعقابًا، خلافًا للمعتزلة الذين رتّبوا على هذا المبدأ الإيجاب والتحريم اللذين هما مُتعلَّق الثواب والعقاب (٢) .

المورد الثالث: أنه لا تلازُم بين مسألة التحسين والتقبيح، وبين باب القدر. والمعتزلة لمّا نصبوا التلازُم بينهما استولدوا مسائل هي ضلال في الشرع والعقل. ومن ذلك:

أولًا: قياسهم الفاسد بين الخالق والمخلوق؛ إذْ جعلوا باب التحسين والتقبيح واحدًا فيهما. فما حَسُن من المخلوق حَسُن من الخالق، والعكس


(١) انظر: "مجموع الفتاوى" (٨/ ٤٣٥ - ٤٣٦)،و (١١/ ٣٥٤) .
(٢) انظر: "مفتاح دار السعادة"، لابن القيم (٢/ ٥٤٢ - ٥٤٣) .

<<  <   >  >>