للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا باطلٌ من وجهين:

الوجه الأول: أنّ هذا القياس لا يصحُّ إلاّ عند استواء الأصل والفرع في الرُّتبة. ومن المعلوم ضرورةً أن الربّ تبارك وتعالى متّصِفٌ بصفات الكمال التي لا نقْصَ فيها بوجهٍ من الوجوه. وهذا أمرٌ لا ينازِعُ أحدٌ من هذه الأمة فيه (١) .

وهو -سبحانه- أيضًا يُجَلُّ عن أن يكون له مثيل في ذاته، أو صفاته، أو أفعاله. قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)} الشورى: ١١ وقال تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠)} النحل: ٦٠

فكيف يتأتّى قياس مَن له الكمال المُطلق، والغِنى الذاتي على مَنْ صفته النقص، والفقر الذاتي؟!

الوجه الثاني: أَنَّ الفِعلَ يحسُنُ من العبد؛ لجلبه المنفعةَ، ويقبُح؛ لجلْبه المضرّة. ويحسُن؛ لأنّ العبد أُمِر به، ويقبُح؛ لأنّه نُهي عنه = وهذان الأمران منتفيان في حقّ الربّ تبارك وتعالى (٢) .

فإذا تبيّن فساد هذا الأصل = بانَ بُطلان ما تشعّب منه؛ وهو: القول بالإيجاب العقلي على الله تعالى. إذْ لازم هذا القولِ القدحُ في الرّبوبية؛ لأنّ حقيقته سلْبُ الاستعلاء والاختيار عنه سبحانه وتعالى (٣) . والله له الاختيار المطلق، والمشيئة النافذة؛ فهو ربُّ كلّ شيء ومليكه، ما شاء كان، وما لم يشأْ لم يكن، لا موجب عليه؛ لأنّ حقيقة هذا الإيجاب لا تكون إلاّ بوجود آمِرٍ أو ناهٍ أعلى من الربّ تبارك وتعالى. ولا أحدَ أعلى منه؛ فكلّ ما سواه مربوبٌ مخلوقٌ.


(١) انظر: "الرسالة الأكملية" (ص ٨) .
(٢) انظر: "مجموع الفتاوى " (١١/ ٣٥٣) .
(٣) انظر: "أبكار الأفكار" (٤/ ٣٥٣) .

<<  <   >  >>