وما ورد من وجوب الرحمة والثواب والوعد في الدلائل الشرعية؛ كقوله تعالى:{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} الأنعام: ٥٤ وغيرها من الدلائل = فإنَّ وقوع ذلك واجب؛ بحُكم وعده الصادق، هو الموجِب على نفسه تفضُّلًا منه تبارك وتعالى؛ لا أن العباد أوجبوا عليه. قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله -: «وأما الإيجاب عليه سبحانه وتعالى، والتحريم؛ بالقياس على خلقه = فهذا قول القدريّة. وهو قولٌ مبتدَع، يخالف الصحيح المنقول، وصريح المعقول. وأهل السنة متفقون على أنّه سبحانه خالق كل شيء ومليكه، وأنّ ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن العباد لا يوجبون عليه شيئًا. ولهذا كان من قال من أهل السنة بالوجوب؛ قال: إنّه كتب على نفسه، وحرَّم على نفسه؛ لا أنّ العبدَ نفسَه يستحقّ على الله شيئًا كما يكون للمخلوق على المخلوق .. »(١) .
فإذا ظهر بطلان الإيجاب العقلي على الله سبحانه؛ لبطلان أصله، وبطلانه في نفسه = عُلِم أن الاستحقاق مبناه على فَضْل من الله ورحمة، كما قال تعالى:{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ} الروم: ٤٥
الجهة الأولى: أن الهداية إلى العمل الصالح محْض فضْلٍ من الله تعالى، كما قال سبحانه:{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} الحجرات: ١٧ وقال تبارك وتعالى: