للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنه - صلى الله عليه وسلم -: (يخرج أقوام من النار بعد ما امتحشوا وصاروا فحمًا فحمًا) فإنْ صَحَّ؛ فالمراد به: يخرجون في الدنيا من استحقاق العقاب بعد تحقُّقه فيهم ... ) (١)

الثاني: أنَّ المرادَ بها المنعُ. إذْ علَّقَ دخول الجنَّةِ بِكَوْنٍ مُحَالٍ لا يكون؛ وهو أن يدخلوا الجنَّةَ وقد صاروا فحمًا. وفي ذلك يقول القاضي عبد الجبَّار: (إن المراد بهِ: التبعيد والمنع من خروجهم من النار؛ حيث شَرَطَ أن يكونوا فحمًا. وما هذا حالُه لا يقع ... ) (٢)

فثَمَّةَ أصلٌ مشترك بين هذه الطوائف انبعث منه إنكار الشفاعة والطعن في نصوصها؛ هو القول بإحباط إيمان مرتكب الكبيرة، والحكم بتخليده في النار؛ بناءً على ذلك.

وانفردت المعتزلة بمَدْركٍ آخرَ بَنَتْ عليه موقفَها من الشفاعة، وهو: القول بالاستحقاق العقلي، وإيجاب التخليد لأهل الكبائر على الله تعالى؛ لئلا تقع التسوية في الثواب والعقاب بين المؤمن والعاصي. هذا المأخذ فرْعٌ عن أصلهم في التحسين والتقبيح العقليين (٣) .

وعلّة هذا الامتياز عند المعتزلة: أن الخوارج لم يكونوا أَصحاب معقولاتٍ، وقد كان انهماكهم بالتنسُّكِ والقتال لمخالفيهم مانعًا لهم من التوليد والنَّظَر. وأمَّا الإباضية - وهي الامتداد لفرقة الخوارج - فإنهم لا يرتضون مسلك المعتزلة في الإيجاب العقلي، وينكرونه عليهم.

كما أبان ذلك السَّالمي بقوله: (مذهبُ أَهْلِ الاسْتقامَةِ والمعتزلةِ أَنَّ أهلَ الكبائرِ من معاصي الله كانوا مشركين، أو فاسقين مُخلَّدون في النَّارِ دَائمًا. وأَهل الطَّاعةِ مخلَّدون في الجنَّة دائمًا = لكنَّ أهلَ الاستقامةِ


(١) "طبقات المعتزلة" (٢١٠)، وانظر: "شرح الأصول الخمسة" (٦٧٣)
(٢) "طبقات المعتزلة" (٢١١)
(٣) انظر: "التذكرة" للقرطبي (٢/ ٦٠٧)

<<  <   >  >>