للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما المقام الثاني: فمن المعارضات المَقُولة على متعلق الشفاعة لأهل الكبائر ما يلي:

أولاً: أَن العقوبة على الكبيرة مستحَقّة على جهة التأبيد، والقول بالشَّفَاعةِ يَخْرمُ هذا الأصلَ؛ إذ لو صَحَّ انقطاعُ عذابِ الفاسقِ؛ لصحّ انقطاع عذاب الكافر قياسًا عليه، بجامع التناهي في المعصية.

وفي بيان هذا المأخذ يقول القاضي عبد الجبار: (دلّت الدلالة على أَنَّ العقوبةَ تُستحَقّ على طريقِ الدَّوام، فكيف يخرج الفاسق من النار بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - والحال ما تقدم؟!) (١)

ثانيًا: أنَّه إذا كان في الشاهد الشفاعة للمذنب لا تَحْسُن مع الإصرار؛ فكذلك الأمر بالنسبة للغائب، فتقبح الشفاعة حينئذٍ للمذنب مع إصراره.

وفي تقرير هذه الشُّبْهة يقول القاضي عبد الجبَّار: (الشَّفاعةُ في الدُّنيا للمُذنْبِ لا تصحُّ، ولا تحسُن مع الإصرارِ، وإنما تحسُن إذا تاب وتركَ الإِصرارَ؛ لأنّ مَن جَنَى على غيرهِ بأنْ قَتَلَ له ولدًا أو سَلَبه مالًا، إذا شَفَعْنا إليه وسألناه العفو عنه، وقلنا: هو مقيم على قتل غيره من أولاده = كان ذلك لا يحسن، وهذا يمنع مما قالوه -إذا صَحَّ-) (٢)

ثالثًا: أن شفاعة الرَّسولِ - صلى الله عليه وسلم - لأَهلِ الكبائرِ تَسْتلْزِمُ أحدَ مُمتنعَين؛ إمَّا ألاّ يُشفّع وهذا لا يجوز؛ لأنّه يقدح بإكرامه. وإمَّا أن يُشفّع فيه، وهذا ممتنع أيضًا؛ لأنّ إثابةَ من لا يستحقُّ الثوابَ قبيحٌ.

يقول القاضي عبد الجبار: (الرَّسولُ إذا شفعَ لصَاحبِ الكبيرة؛ فلا يخلو: إما أنْ يُشفّع، أوْ لا. فإن لم يُشَفَّعْ لم يَجُزْ؛ لأنه يقدح


(١) "شرح الأصول الخمسة" (٦٨٩) وانظر: "شرح المقاصد" للتفتازاني (٥/ ١٤٠)
(٢) "طبقات المعتزلة" (٢٠٨)، وانظر: "شرح الأصول الخمسة" (٦٨٨)

<<  <   >  >>