للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى تقدير انتفاء التواتر عن هذه الأَخبار الصحيحة فخبر الآحاد متى صَحَّ كان حُجّةً وجب الأخذ بمقتضاه -كما سلف بيانُه-.

أما الجواب عن المسلك الثاني: وهو المعارضة لها بأدلة الوعيد، فإنه من الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض، فلا بد من العَمَل بالكتاب كله. وسابلة أَهل السنة والجماعة في هذا الباب الجمعُ بين نصوص الوعد ونصوص الوعيد، وتفسير بعضها ببعض، فإن أدلة الشرع تفسر بعضها بعضًا.

وبمقتضى هذا الأَصل يتحرر القول في فهْم أدلة الوعيد؛ فإنه لا يقال بمُوجِبِها على وجه العموم دون أن تنزّل على المُعيّن؛ لأن مُوجِب الذَّنبِ قد يتخلّف عنه لمانع من موانع لُحوق الوعيدِ (١)؛ إما بالعفو المحض من الله تعالى، أو بالعفو المقيد بسبب.

هذا السبب المانع؛ إما أن يكون ناشئًا من العبد، أو من غيره.

فالأول: كالتوبة، والاستغفار، والحسنات الماحية.

والثاني: كالشفاعة (٢) .

والقول بلحوق الوعيد لكلّ مُعيَّن مما لا يلتزمه الوعيدية أنفسُهم، فإنَّهم يخصون عموم الوعيد باشتراط التوبة، وهذا من محال الاتفاق بينهم وبين أهل السنة؛ إلَاّ أنَّ أهلَ السُّنَّةِ يُتبِعون هذا الشَّرطَ والمخصّص ما دلت عليه الدلائل من الموانع التي تمنع من إنفاذ الوعيد. وتخصيص عموم أدلة الوعيد بشرط دون آخر، مع كون كليهما مدلولًا عليه بالشَّرْعِ =يُعدّ من تناقض الوعيدية.


(١) انظر: "مجموع الفتاوى" (٢٠/ ٢٨٧)
(٢) انظر: "المصدر السابق" (٧/ ٤٨٧)

<<  <   >  >>