قبل سَوْق دعاوى المخالفين التي اعترضوا بها على هذا الحديث؛ لصرْف دلالته، كان لزامًا التعرُّض لبيان مسائل تتعلق بهذا الحديث. هذه المسائل يمكن إجمالُها في ثلاثة أنظار:
الأول: بيان علاقة هذا الحديث بتوحيد العِبادة.
الثاني: بيان دلالة الحديث على تحريم شَدّ الرحل إلى مكان بعينه للعبادة.
الثالث: بيان الانفكاك بين تحريم شدّ الرحل والسفر لزيارة قبور الصالحين والأنبياء، وبيان مشروعية زيارة هذه القبور الزيارة الشرعية، دون إنشاءِ سفرٍ لها.
أمّا النظرُّ الأول: بيان علاقة هذا الحديث بتوحيد العبادة:
فوجه إدخال هذه المسألة في توحيد العبادة، أَن الشَّريعة قصدت حسم مادة الشرك من تعلّق القلوب بالبقاع والأمكنة بالحجِّ إليها، والتماس البركة منها، فالسَّفر إلى بقعة من البقاع غير ما استثناه الشَّارعُ صار وسيلة للوقوع في الشِّرك الأكبر، خصوصًا ما تراه في العصور المتأخرة من الحج إلى المشاهد والقبور، وطلب الغياث من أَصحابها، والنذر والذَّبح لها، والطواف بها، والسجود لها إلى غير ذلك مما يُناقض أَصل التّوحيد، ويخْرِم أُسّ الملة؛ لذا درج عددٌ مِن أَهل
(١) أخرجه مسلم في: كتاب ""،باب"" (٢/ ٩٧٥ - رقم [٨٢٧])