للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قصدها =ففعله بدعة. وقد صحَّ من حديث أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أَحدث في أَمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ) (١)

وبذلك تستبين وجه إيراد هذا الحديث في طيّ هذا المبحث.

وأمَّا النظر الثاني: بيان دلالة الحديث على تحريم شَدّ الرحل إلى مكان بعينه للعبادة.

فإن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تُشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد) تضمّن المنْعَ والنّهي عن شدّ الرحال إلى بقعة للعبادة؛ إلاّ إلى ما قَصَر النبي - صلى الله عليه وسلم - شدّ الرّحل إليه من المساجد الثلاثة. وقد تقرّر في الأصول: أن صيغة: (لا تُشدّ الرحال) هي خبرٌ في معنى النهي، والنَّهيُ المجرّدُ من القرائن يقتضي التحريم (٢) . والتعبير بصيغة: (لا) المفيدة للنفي أبلغُ في الخطاب من النهي بصيغة: (لا تشدّوا)

وبيان ذلك: أنَّ النَّفي متضمن للنَّهي وزيادة، وذلك أنَّ الشّارع أَخبر أن شدّ الرحل إلى بقعة غير المساجد الثلاثة منفيٌّ، فلم يكن ثابتًا قبل ذلك، ولا ينبغي وقوعه.

وفي تقرير ذلك يقول الإمام الطِّيبي - رحمه الله -: (قوله: (لا تُشدّ الرحال): كناية عن النهي عن المسافرة إلى غيرها من المساجد؛ وهو أبلغ مما لو قيل: لا يسافر؛ لأنّه صوّر حالة المسافرة وتهييء أسبابها، وعدّتها من المراكب والأدوات، والتزوّد، وفِعْل الشدّ، ثم أخرج النهيَ مخرج الإخبار؛ أي: لا ينبغي، ولا يستقيم أن يقصد الزيارة بالرحلة إلا


(١) أخرجه البخاري كتاب "الصلح" باب"إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مرود" (٣/ ١٨٤ - رقم [٢٦٩٧])،ومسلم كتاب"الأقضية" باب"نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور" (٣/ ١٣٤٣ - رقم [١٧١٨])
(٢) انظر: "تحقيق المراد"للعلائي (٢٧٤)،و"قواطع الأدلَّة"للسمعاني (١/ ٢٥١)، و"شرح الكوكب المنير" (٤/ ٧٨)، و"إِرشاد الفحول" (١/ ٤٠٦)

<<  <   >  >>