للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال حاكيًا عن تسليمهم: {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥)} البقرة: ٢٨٥.

ثانيًا: مع تسليم أهل الإيمان بكمال حكمته سبحانه في أفعاله وخلقه؛ فقد تلمَّس بعض أهل العلم حكمة ذلك. يقول الإمام ابن الجوزي - رحمه الله -: (إن هذه الأمور جُعِلت لامتحان العقول؛ كما خلَقَ القلفة وأمر بقطعها، وحوَّل من قبلةٍ إلى قبلةٍ = فمن اعترض على تصاريف الليل والنهار؛ فهو سفيه. وإِنَّما يقع الاعتراض؛ لأنهم يحملون أمره على المُشاهَد، وإنّ مَنْ بَنى، ثمّ هدَم، ثم عاد فبنى كان مستدرِكا أمرًا لم يكن عَمِلَه. فمتى لم يكن مستدرِكا كان بالهدم عابثًا؛ الأمران لا يجوزان على الله تعالى. وأمّا المحقّقون فإنهم يُسلِّمون.

ثم؛ قد بان وجه الحكمة في هذا: أنّ ولادته مختونًا مسرورًا تُبيِّنُ إنعام الحق في حقّه؛ ولو خُلِق سليم القلبِ مما أخرِج في باطنه؛ لم يعلم بذلك. فالإعلام بإخراج شيء كان بقاؤه يؤذي = إنعامٌ آخر على أنّه خلق طاهرًا؛ لكنّه زِيْدَ تنظيف طريق الوحي، وتأكيد أمر العصمة) (١)

وبعد تقديم الجواب عن هذا الاعتراض؛ يبقى النّظر في أن الجواب المتقدّم، وكذلك صحّة ورود ذلك الاعتراض = مَبْنيّان على فرْض التسليم بأنّه - صلى الله عليه وسلم - وُلِد مختونًا. أَمَا وقد ذكر المحقّقون من أهل العلم عدم ثبوت ذلك لعدم صحة الأحاديث الواردة في ذلك (٢) = فلا وجه للاعتراض، ويكون جواب ابن الجوزي - رحمه الله - مُؤسَّسًا على جهة الفرْض بصحّة الرواية. والله أعلم.


(١) "مشكل أحاديث الصحيحين" (٣/ ٣٠٢)
(٢) انظر: "زاد المعاد"لابن قيِّم الجوزيَّة (١/ ٨١)، وله أيضًا"تحفة المَودود" (١٢٤)

<<  <   >  >>