للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ادَّعاهُ المخالفون ... بدءًا من المعتزلة (١)، ومرورًا بالأشاعرة والماتريديَّة (٢)، وانتهاءً بالعلمانيين (٣)، والدَّور في حقيقة الأَمْرِ مُنتفٍ؛ لأنَّ تصورَه مُقامٌ-كما سبق- على افتعال الخصومة بين العقل والنقل، ولا خصومة بينهما عند التحقيق. ودعوى مركزية العقل دعوى وهميّة لا تحقق لها، ولا ينقض رفضَ هذه الخصومة =التسليمُ بوجود مبادئ فطرية مركوزة في العقل الإِنساني، بل وجود هذه المبادئ والإِقرار بها يوطِّد وهن هذه الدعوى؛ ذلك أنَّ هذه المبادئ مع كونها من مكوّنات العقل البشري إلَاّ أنَّها غير كافيةٍ في تحصيل الحقائق إمَّا مُطلقًا، وإمَّا على وجه التفصيل، فهي مُفْتَقِرة إلى نُور الوحي.

الأَمر الثَّاني: أنَّ اعتقاد الخصومة بين الدلالتين أَصلٌ تولَّد منه القول بأوَّليَّةِ العقلِ على النَّقل، هذه الأوَّليَّة إمَّا مُطلقة وهذا ما تراه عند العلمانيين الّذين لا يعتبرون بمعرفة سوى ما كان مُحصَّلًا من طريق العقل =أَو كانت هذه الأَوليَّة مُقيَّدة في حال التعارض المُدَّعى، وهذا التقييد تجده عند الطوائف الكلاميَّة المُعظِّمة للشَّريعة ومن شايعهم، والتي رامت تنزيه الدِّين عن مُناقضة الضرورة العقلية بحسب اعتقادها.

فإن قيل: إنَّ في إطلاقات جُملةٍ من المُتكلِّمين ما يدلُّ على استحالة تعارض العقل والنَّقل، كما قال الغزاليُّ في وَصْفِ معتقد الأَشَاعرةِ: (وتحقَّقوا أن لا مُعاندة بين الشَّرعِ المنقول، والحقِّ المعقول) (٤) .


(١) انظر: "شرح الأصول الخمسة"للقاضي عبد الجبار (٨٨ - ٨٩) .
(٢) انظر: "البرهان"للجويني (١/ ١١١)،و"الاقتصاد في الاعتقاد"للغزالي، و"العواصم من القواصم "لابن العربي (٢٣١)،و"شرح المقاصد"للتفتازاني (١/ ٣٩) .
(٣) انظر: "الأسس الفلسفيّة للعلمانيَّة"لعادل ضاهر (٣٦٣) .
(٤) "الاقتصاد في الاعتقاد"للغزالي (٦٥) .

<<  <   >  >>