للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَنَّ السُّنة قد تكفَّلت ببيان هذا الأمر، وقد حاول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - التماس حكمة عدم التصريح باسمه؛ بأنّ في ذلك خَفْضًا من شأنه، واحتقارًا له؛ لكونه يدّعي الإلهيّة، مع بشريّته واتصافه بعوارض النقص والخلل التي تنافي مقام عظمة الربوبية (فكان أمره عند الربّ أحقر من أن يُذكر، وأصغر، وأدْحرُ أن يُجْلى عن أمر دعواه، ويُحذّر. لكن انتصر الرُّسل لجناب الربّ عز وجلّ، فَجَلّوْا لأممهم عن أمره، وحذّروهم ما معه من الفتن المُضِلّة، والخوارق المنقضية المضمحلّة، فاكتفى بإخبار الأنبياء، وتواتُر ذلك عن سيد ولد آدم إمام الأتقياء؛ عن أن يذكر أمره الحقير بالنسبة إلى جلال الله = في القرآن الكريم، ووكل بيان أمره إلى كل نبيّ كريمٍ) (١) .

وأما ذِكْر فرعون في القرآن مع دعواه الربوبية دون الدجّال؛ فلانقضاء أمر الأوّل، وظهور كذبه، وبطلان دعوته لكل مؤمن عاقل. وأمّا الدجّال فأمره كائن لمَّا يأتِ (٢) . وماذكره ابن كثير - رحمه الله - فيه نَظر، إذ لو كان حكمة عدم التنويه به هو الخفض من شأْنه =للزم أن يطَّرد ذلك أَيضًا في السُّنة.

ومفْصَل القول أنّ خفاء حكمة عدم التصريح بأمر الدجّال في القرآن، لا يعكّر على ما دلّت عليه الأحاديث القطعية من ثبوت أمره؛ وإلاّ لاقتضى ذلك التَّجارِي في إنكار كلّ ما يثبت في السنن من معاقِد الدين، ولم يُذكر في القرآن.

ومع ظهور هذه الدلائل على صحة أمر الدجّال، وعظيم فتنته؛ إلاّ أن طوائف أخطأت، وصدفت عنها. وانقسمت مواقفهم من أحاديث الدجال إلى ثلاثة مواقف:


(١) "المصدر السابق" (١٩/ ١٩٧) .
(٢) انظر: المصدر السابق (١٩/ ١٩٧) .

<<  <   >  >>