الأوّل: أن العلم الحديث مع بلوغه في الاتساع والتطوُّر شأوًا عظيمًا؛ إلاّ أنّه مع هذا الترقّي في العلوم ما زال الحس يقضي بقصور منجزاته عن الإحاطة بكل شيء. وما مَثَل هؤلاء البحّارة، وما حصلوه من أَسباب العلوم؛ إلا كمثل شخصٍ حلَّ في فِناءٍ قد أضاءَ له بعض أرجائه، وجرَّ الظلامُ أذيالَه على ما أكَنَّه الجانب المظلم من أصناف الموجودات التي حالت الظلمة دون اكتشافها في الجانب الآخر من هذا الفناء؛ فأخبر - لقصور مداركه - أنه لا يوجد شيءٌ ألبتّة سوى ما رأى. فهذا أخبر بما علم، وليس عدمُ علمه بما غُبِّي عليه بقاضٍ لأن ينفي ما لم يعلم؛ لأن عدم العِلم بالشيءِ لا يسْلِبُه حقيقة الوجوديّة؛ إن كان كذلك.
فقبول أحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ليس مرهونًا بتصحيح علوم البشر القاصرة لها؛ بل علوم البشر مرهونٌ قبولها بألاّ تخالف ما صحّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يُترك المقطوع بصحّته لأمرٍ تعتوره الظنون، وتحيط به من كل جانب.
والمتأمل في أحوال العلوم - مع تطوّرها نسبيًّا - يجدُ أنّها في طور المَهْد بالنسبة لما يخْفى علينا. وبرهان ذلك: ما نراه من اكتشافات للكهوف، ومعالم، وآثار كانت في حيّز المجهول عجزت التكنولوجيا من قبل عن اكتشافها؛ مع وقوع هذه المكتشفات في دائرة أراضي هؤلاء المكتشفين (١). فلأن يخفى عليها ما هو خارجٌ عن أرضها أَوْلى.
وقد نشرت بعض الصحف خبرًا يتضمّن اكتشاف جزيرة مغمورة تحت البحر، وهذا نصّ الخبر:
(١) انظر"دفاع عن السنة (ص ٩٦) و"نهاية التاريخ"للعبدلي (ص ١٧٦).