للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديث: أن موسى لقي آدم في الجنة ..... ، قال أبو علي للبركاني: أليس هذا الحديث هكذا؟ قال: بلى. قال أبو علي: أليس إذا كان عذرًا لآدم يكون عذرًا لكل كافر وعاصٍ من ذريته، وأن يكون من لامهم محجوجًا؟ فسكت البركاني) (١) .

فأنت ترى أنَّ أبا علي الجُبَّائي لما استقر عنده ما هو نقيض الظاهر من الحديث؛ انبنى على ذلك اعتقاده مناقضة الحديث للضرورتين النَّقليَّة والعقلية = فردّ الحديث بناءً على فهمه المغلوط.

وتابعه على ذلك من المعاصرين: إسماعيل الكردي؛ حيث قال: (الإشكال الكبير في الحديث: أنه ينسب لآدم احتجاجه على معصيته لله، بأن الله تعالى قَدَّرها عليه من قبل. وبالتالي: فلا يجوز ملامته عليها! وهذا عين قول فرقة الجبرية. وعليه؛ لا يجوز لَوْم أحد من العصاة جميعِهم من البشر؛ لأن كلَّ ما فعلوه كان مقدرًا عليهم من الأزل!! إذن فلماذا الحدود، والقَصاص، والجنّة، والنار؟!

والأنكى من ذلك: أنه ينسب للرسول موافقته لكلام آدم، واعتباره أنه غلب موسى وحَجَّه؛ مكررًا ذلك أكثر من مرة! هذا مع أن القرآن أبطل هذا النوع من الاحتجاج بصريح العبارة حين قال: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (١٤٨) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩)} الأنعام: ١٤٨ - ١٤٩ ويستحيل أن يعلّمنا رسولُ الله أمرًا يخالف القرآن) (٢) .


(١) "طبقات المعتزلة" (٨١) .
(٢) "نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث" (٢٨٤) .

<<  <   >  >>