من الدليلين؛ وهو اليقين المتعيّن في العقل لابتغاء العلم بغير المتعين في ظاهر الخطاب الشرعي. والرجحان هاهنا تعيَّن في العقل تعينًا لا احتمال فيه بأن تعذيب الله للميت بغير فعل منه =ليس من العدل الذي أَوجبه ربنا على نفسه؛ إذ حَرَّم الظلم على نفسه، وليس مِن عصمة الشرع التي حَكَم بها العقل ابتداءً، وتنافي ما بَيَّنه الشرع: أن المكلف مسؤول عما جناه مباشرةً، أو بتسبب. وليس مسؤولًا عن جناية غيره) (١)
فتلحظُ أَنَّ الشيخَ ابن عقيل-عفا الله عنه- لم يُصِبْ في أَمرين:
الأوَّل: توهُّمه أَنَّ ظاهر الحديث هو معاقبة الميت بلا وزرٍ اقترفه، ولا ذنب جناه.
ثم قاده ذلك إلى:
الأمر الثاني: أنَّ هذا الظاهر مَدْفوع بيقين العقل، وضرورة الشرع = فكان هذا الدفع مثالًا - عنده - لتقديم العقل على النَّقل.
ومكمن الغَلَطِ في هذين الأمرين، يتحرر من طريقين:
الأول منهما: أنَّه على تقدير صحة القول بأن ظاهر الخَبرِ هو معاقبة الميت بلا سبب منه = فإِنَّ صَرْفَ هذا الخبر عن هذا الظاهر لا يُعدُّ تقديمًا للعقل؛ لأنَّ توظيف الضرورة العَقليَّة في هذه الصورة =إِعمال لبديهة العقل لتحصيل المراد من النَّصِ، ودفْع الظاهر المتوهم.
فإنْ قال الشيخ: إنَّ هذه الصورة ليس فيها إِعمالُ عقلٍ لتحصيل الظاهر، وإنما تقديم للعقل بترجيح يقينه على النقل؛ لِتَعَسُّر تأويل ظاهره إلا بِكُلْفَةٍ.
فيقال: إِنَّ رَدَّ الخبر - لو صح حينئذٍ - ليس تقديمًا للعقل على النَّقل عند التحقيق، إنما هو تقديم لدلالة نقليَّةٍ قاطعة على دلالة نقليَّة ظنيَّة؛ لإقراره بأن الموجب لاستنكار الخبر لمن لم يتحرر له ظاهره = مناقضته لقوله تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨)} النجم. وهذا هو موجب
(١) " قانون التوفيق بين الدين والعقل " (٢٢) وانظر: كذلك (٦٣ - وما بعدها، ٨٦)