للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه = تعطيل لعدْل الربّ تبارك وتعالى. والأشاعرة جعلوا الظلم من قبيل الممتنع لذاته؛ فلا تتعلّق به القُدْرة، فيبقى أنّ كلّ ممكن إذا قُدِّر وجودُه فهو عدلٌ، وليس ظُلمًا. وفسّروا الظلم بأنه: التصرّف في ملك الغير - وكلّ ما سواه ملكه -؛ في حين أن هذا التفسير مخالف لمقتضى اللسان والشرع؛ فإن الظلم في لسان العرب: وضْع الشيء في غير موضعه. قال الأصمعي: «وأصل الظلم: وضْع الشيء في غير موضعه» (١) .

وأمّا دلالة الشرع على هذا المعنى فإن قول الله تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٨)} النحل: ١١٨ وقوله الله تعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلْتُه بينكم مُحرَّمًا؛ فلا تظالَموا) (٢) =تمدُّحٌ منه سبحانه بتنزُّهِه عن الظلم؛ بكونه ممكنًا مقدورًا عليه، لكن الربّ تعالى لا يفعله؛ لكمال عدله ورحمته، لا لأنه ممتنع عليه (٣)؛ إذ التنزُّه مما لا يقع تحت القدرة لا يتضمّن مدْحًا، ولا كمالًا.

ومن عدله وحكمته: ألاّ يعاقِب أولياءه، وألاّ يسوّي بينهم وبين أعدائه، كما قال سبحانه: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦)} القلم: ٣٥ - ٣٦ وقال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الجاثية: ٢١

ثم؛ إنّه لو كان الظلم ممتنعًا على الله تعالى لما أمّن أهلَ الإيمان من وقوع الظلم عليهم؛ فإن التأمين يكون ممن الممكن لا من الممتنع؛


(١) "تهذيب اللغة"، للأزهري (٤/ ٣٨٣) .
(٢) أخرجه مسلم: كتاب "البر والصلة"، باب "تحريم الظلم" (٤/ ١٩٩٤ رقم [٢٥٧٧]) .
(٣) انظر: "قاعدة في معنى كون الربّ عادلًا"، لابن تيمية (١/ ١٢٤ - ضمن جامع الرسائل) .

<<  <   >  >>