للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما عدَّ الإمام ابن منده إنكار أن يكون للرُّؤيا حقيقةٌ من الجحد للنبوة؛ لعلتين:

الأولى: أن الرُّؤيا نوع من الوحي الذي يتلقاه النبي عن الله تعالى؛ حقيقة قطعية لا يتطرق إليها الخطأ = فالطعن في هذا النوع طعن في النبوّة.

الثانية: أن إنكار أن يكون للرُّؤيا حقيقة لغير الأنبياء = تكذيب لخبر النبي الصادق ببقاء نوع من الوحي يقع لغير الأنبياء. وتكذيب خبر النبي يستلزم عدم صدقه، وهذا عين المناقضة للنبوّة.

ومع ثبوت هذه الحقيقة وقيام أَوضح البرهان عليها = إلا أنَّ هناك طوائف من أَهل البدع وغير المتشرعين - من أهل الطبِّ، وغيرهم- نازعوا في هذه الحقيقة. وهذه المنازعة تكمن في اختزالها في معنى واحدٍ؛ إمّا بنفْي الجانب الغيبي المدلول عليه شرعًا في تفسيرها للرؤيا، أو بمنحها بُعْدًا غيبيًا؛ لكنّه في حقيقة الأمر إمّا أنه يفتقر إلى البرهنة الشرعية التي تصحح هذا التفسير، أَو أَنَّه مصادم للبراهين الشرعيَّة - كما سيأتي بيان ذلك -

فأما الفريق الأوَّل: فيتجلى نفيه للجانب الغيبي من خلال مقولاته التي فسّر بها حقيقة الرُّؤيا؛ ومن ذلك: اختزال الرُّؤيا في كونها مجرد خواطر تخطر للنائم. وهذا ما نُقل عن النَّظَّام (١) .

- أو تعليل حدوثها بأنه فِعل الطبائع. كما نسب إلى "معمر" (٢) من المعتزلة وأهل الطب (٣) .


(١) انظر "مقالات الإسلاميين" (٤٣٣) .
(٢) المصدر السابق، الصفحة نفسه. ومعمر (؟ -٢١٥ هـ):هو أبو المعتمر مُعَمَّر بن عمرو بن عبَّاد البصري السُّلمي مولاهم العطَّار، من رؤوس المعتزلة، له مقالاته الشَّنيعة =انظر "السير" (١٠/ ٥٤٦) .
(٣) انظر: "المفهم" (٦/ ١٨) .

<<  <   >  >>