للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحديثًا على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه، بأنه لم يُعلم من فقهاء المسلمين أَحدٌ إلا وقد ثبّته = جاز لي، ولكنْ أقول: لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أَنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد، بما وصفت من أنّ ذلك موجودًا على كُلِّهم (١)

فعدوله كما يدَّعي حمَّادي ذويب: (يَصوغُ القضيَّة صياغةً واقعيَّة) (٢)

قيل: إنَّ تحريرَ مقاصد الإمام الشَّافعي - رحمه الله - من عبارته = لازم للفهم عنه، وعدم تحميل كلامه ما لا يدل عليه بحالٍ. لذا كانت الإِبانةُ عن مُرَادِهِ بـ (خبر الخاصَّةِ) وعن حَدِّ (الإجماع) عنده = مطلبين لِدَرْك مرامي عدوله عن رتبةِ الصَّدْعِ بالإجماع إلى رتبةِ نقل انتفاء الاختلاف بين فقهاء المسلمين. وخبر الخَاصَّة عند الإمام الشافعي يتأتّى فَهمه من خلال فَهم أقسام الخبر عنده. فالأخبار - كما يُقسِّمها- تنقسم إلى قسمين: خبر العامّة عن العامة. وحقيقتُهُ: أنَّه المعلوم من الدين بالضرورة؛ مثل كون الصلوات خمسًا، والحجّ فريضةً، والخمر حرامًا؛ مِمَّا لا يُنازع فيه أَحدٌ من المسلمين؛ علمائهم وعامتهم. ولا يَسعُ أحدًا جهلُه.

وفي بيان هذا القسم يقول - رحمه الله -: (العِلمُ علمانِ: عِلمُ عامة؛ لا يَسَعُ بالغًا غير مغلوبٍ على عقله = جَهْلُه. قال (٣): ومثل ماذا؟ قلتُ: مِثلُ الصلوات الخمس، وأن لله على الناس صَومَ شهر رمضان، وحجَّ البيت إذا استطاعوه، وزكاةً في أموالهم. . . وهذا الصنف كلّه من العلم موجودٌ نصًّا في كتاب الله، وموجودًا عامًا عند أهل الإسلام، ينقله عوامُّهم عن من مَضَى من عوامِّهم؛ يحكونه عن رسول الله، ولا ينازعون في حكايته،


(١) "الرسالة" (٤٥٧ - ٤٥٨)
(٢) "السنة بين الأصول والتاريخ" حمادي ذويب (١٦١)
(٣) القائل المناظر للشافعي - رحمه الله -

<<  <   >  >>