وهي الأسماء التي صورتها صورة المنادى، لا الحروف التي هي " يا " وأخواتها.
وعبارة " الكشاف ": " جرى هذا على صورة الاستفهام، ولا استفهام، كما أن ذلك جرى على صورة النداء، ولا نداء "(١) وهي في غاية الحسن.
وأصل هذا قول سيبويه: جرى هذا على طريقة الاستفهام، كما جرى على طريقة النداء قولهم: اللهم اغفر لتا أيتها العصابة، ولا استفهام في الحقيقة، ولا نداء (٢).
وقال ابن الحاجب: اعلم أن في كلامهم جملا لمعان في الأصل، ثم نقلوها إلى معان أخر، مع تجريدها عن أصل معناها، وهذا في أبواب:
منها: قولهم: سواء عليَّ أقمت أم قعدت، سؤال عن تعيين مع التسوية بينهما، ثم نقل إلى الخبر بمعنى التسوية، من غير سؤال.
ومنها قولهم: أيها الرجل أصله تخصيص المنادى بطلب إقباله عليه، ثم نقل إلى معنى الاختصاص مجردا عن معنى طلب الإقبال في قولك: أما أنا فافعل كذا أيها الرجل (٣).
قال صاحب " الانتصاف ": وحاصل ذلك استعمال الحرف في أعم معناه، والهمزة المعادلة لـ " أم " موضوعة في الأصل للاستفهام عن أحد متعادلين في عدم التعيين فنقلت إلى مطلق المعادلة وإن لم تكن استفهاما، والنداء في الأصل لتخصيص المنادى بالدعاء، فنقل إلى مطلق التخصيص، ولا نداء، كتخصيص الدابة بذوات الأربع وإن كانت في الأصل لكل ما دبَّ ودرج (٤).
وقال بعض أرباب الحواشي: تلخيصه أن النداء فيه تنبيه للمنادى (٥) وإقبال عليه، والاستفهام فيه استخبار وإشعار باستواء الأمرين في المستفهم عنه، أهو حاصل أم لا، فقد انسلخ في قولنا: اللفم اغفر لنا أيتها العصابة أحد المعنيين، وهو التنبيه؛ لأن الإنسان لا ينبه نفسه، وبقي معنى الإقبال على نفسه، كما انسلخ معنى الاستخبار في قوله (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) وبقي معنى الاستواء،