من مثل ما نزلنا، وبين فأتوا من مثل ما نزلنا بسورة، فنقول: الفرق بينهما: ما ذكرناه، فإن المأمور به في الأول سورة مخصوصة، وفي الثاني: سورة مطلقة من حيث الوضع، وإن كانت بعضاً من شيء، مخصوص والله تعالى أعلم. وقال الشيخ العلامة محمود السيواسي: تعيين الفرق ههنا موقوف على استحضار أمرين معلومين في هذا المقام أما الأول فهو: أن المطلوب في معرض المعارضة بهذه الآية الكريمة دائر بين الأمرين وليس بخارج عنهما، بل لا يصح أن يخرج وذلك: إما كون السورة المأتي بها مثلا للمنزل أو كونها مأتيا بها من مثل العبد في كونه بشراً أو أمياً (وأما الأمر الثاني: فهو، أن {مِنْ} إذا تعلق بفأتوا لا تكون إلا للابتداء ولا يصح أن تحمل على غيره) من البيان، وإذا تعلق بسورة يصلح لذلك كله وإذا تقرر هذان الأمران، نقول: الفرق بين فأتوا بسورة كائنة من مثل ما نزلنا (وفأتوا من مثل ما نزلنا) بسورة إذا أريد تعلق من بفأتوا، هو أن التركيب الثاني: يدل على أن المطلوب في معرض المعارضة كون السورة مأتيا بها من مثل المنزل، وذلك: خارج عن أحد الأمرين اللذين قلنا: إن المطلوب دائر بينهما وذلك ليس بمطلوب ولا يصح أن يكون.
أما أنه ليس مطلوبا فلأنهم لو وجدوا في ديوان أشعارهم وأمثالهم أو خطبهم مقدار أقصر سورة تكون مثلا للمنزل في غريب البيان وعلو الطبقة في حسن النظم وأبوابه لكان به المعارضة لهم، وإن كان نفس ذلك الديوان ليس مثلا للمنزل كما يدل على هذا قول صاحب الكشاف قبيل هذا في جواب قوله: فإن قلت: لم قيل: مما نزلنا على لفظ التنزيل دون الإنزال؟، وأما أنه لا يصح فلأنه يلزم أن يكون الإتيان بمثل المنزل أيضاً مطلوباً لامتناع تحصيل الشيء من غير الحاصل، فحينئذ يكون