للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شرح حديث: (من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة)

قال رحمه الله تعالى: [فأول ما في الحديث قوله: (من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة)، فجعل معاداة عبده الولي معاداة له، فعين عدوه عين عدو عبده، وعين معاداة وليه عين معاداته، ليسا هما شيئين متميزين، ولكن ليس الله هو عين عبده، ولا جهة عداوة عبده عين جهة عداوة نفسه، وإنما اتفقا في النوع].

يعني: اتفقا في حال من الأحوال وليس في جميع الأحوال هذا أمر، الأمر الآخر: اتفقا في النوع لا في الذات؛ فليس هناك تحابب ذاتي أو عقلي أو روحي كما يقولون، إنما هو نوع من اتفاق الحال، وهذا يرد في أسماء الله وصفاته كما وصف الله عز وجل نفسه بأنه الرحيم، ووصف بعض عباده بأنه رحيم، ووصف نفسه بالعلم، ووصف بعض عباده بالعلم ووصف نفسه بالحكمة ووصف بعض عباده بالحكمة، فهذا اتفاق في النوع لا في الذات.

وهذا النوع أيضاً لا بد من إثبات التفاوت فيه، فهو في حق الله عز وجل على الكمال والجلال والعظمة التي لا تحدها حدود، وفي حق المخلوق على ما يليق بالمخلوق من النقص والضعف والمحدودية ونحو ذلك.

قال رحمه الله تعالى: [ثم قال: (فإذا أحببته كنت سمعه وبصره ويده ورجله)، وفي رواية في غير الصحيح: (فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي)، فقوله: (بي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي)، بين معنى قوله: (كنت سمعه وبصره ويده ورجله)، لا أنه يكون نفس الحدقة والشحمة والعصب والقدم، وإنما يبقى هو المقصود بهذه الأعضاء والقوى وهو بمنزلتها في ذلك، فإن العبد بحسب أعضائه وقواه يكون إدراكه وحركته، فإذا كان إدراكه وحركته بالحق، ليس بمعنى خلق الإدراك والحركة، فإن هذا قدر مشترك فيمن يحبه وفيمن لا يحبه، وإنما للمحبوب الحق من الحق من هذه الإعانة بقدر ما له من المعية والربوبية والإلهية، فإن كل واحدة من هذه الأمور عامة وخاصة].

قوله: (وإنما للمحبوب) لها عدة احتمالات: الاحتمال الأول: أن يكون المحبوب له الحق الذي أوجبه الله عز وجل على نفسه، أي: الحق من الحق.

والثاني: أن المحبوب حقه من الحق الذي فرضه الله للعباد، يعني: الحق الجزئي من الحق الكلي، فهذه كلها معان محتملة، وأظن العبارة أقرب إلى هذا السياق، بمعنى أن كلمة الحق ليست مكررة وأنها على ما هي.

والآن اقرنوا في أذهانكم تفسير المعاني الأولى في حديث (من عادى لي ولياً فقد بارزته بالحرب)، بما فسر به الحديث نفسه هنا، من أن المقصود هو المقصود الشرعي، يعني: الحديث نفسه الذي سيأتي في صحيح مسلم عن أبي هريرة فسر بعضه بعضاً، فسر المعاني المجملة التي يتكئ عليها أصحاب الحلول والاتحاد بالمعاني التي تميز الخالق عن المخلوق، كما سيأتي في النص نفسه، وأشير إليه أثناء أو بعد سياق الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>