للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ابن عربي يصدق قول فرعون: (أنا ربكم الأعلى)]

قال رحمه الله تعالى: [ولهذا لما قال: ولما كان فرعون في منصب التحكم صاحب الوقت، وأنه الخليفة بالسيف، وإن جار في العرف الناموسي، لذلك قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:٢٤] أي: وإن كان الكل أرباباً بنسبة ما، فأنا الأعلى منهم، بما أعطيته في الظاهر من الحكم فيكم، ولما علمت السحرة صدقه فيما قال لم ينكروه، وأقروا له بذلك، فقالوا له: اقض ما أنت قاض، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا، والدولة لك، فصح قول فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:٢٤]، وإن كان عين الحق].

هذا كلام ابن عربي، نعوذ بالله، والعجيب أن هذا التلبيس مع وضوحه قد انطلى على طوائف ممن انقلبت فطرهم، وفسدت قلوبهم من أهل الأهواء والبدع، خاصة الذين ينتسبون للتصوف الآن، وتوجد طوائف من الذين لم ينتسبوا للتصوف يميلون إلى تصحيح هذا القول الباطل، الذي يصادم الحق مصادمة ظاهرة وعنيفة، لكن هؤلاء يلبسون على الجهال وعلى المفتونين، وتأملوا العبارة قال: (ولهذا لما قال -يعني: ابن عربي -: ولما كان فرعون في مصر في منصب التحكم صاحب الوقت) انظروا كيف يستجلب عواطف الفرق التي تنتظر إما ولياً وإما إماماً، فالصوفية ينتظرون ولياً ويظنون أنه صاحب الوقت، ويزعمون أنه يدبر الكون، وكذلك الرافضة والباطنية ينتظرون أيضاً إماماً، يزعمون أنه يخرج في آخر الزمان، فهو تكلم بما يوافق مصطلحاتهم؛ ليجذب عقولهم إلى الباطل على ما هم فيه من الباطل، ولهذا فهو يزعم أن فرعون ولي لله؛ ولذلك له رسالة اسمها (إيمان فرعون) قال فيها مثل هذا الكلام، ثم قال: (وإنه الخليفة في السيف، وإن جار في العرف الناموسي) يعني: أن هناك فرقاً بين العرف الظاهر وبين العرف الباطن، ففرعون ولي لله في الباطن، لكنه في الظاهر جبار، فهو خليفة بالسيف.

قوله: (لذلك قال فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:٢٤] أي: وإن كان الكل أرباباً بنسبة ما) رجع إلى مذهبه أيضاً مرة أخرى، فزعم أن جميع المخلوقات أرباب، لكن فرعون أعلاهم، انظروا كيف التلبيس، وأنا لا أعجب من ظهور مثل هذا الإلحاد من إنسان معروف بالإلحاد، وإنما أعجب كيف يصدق هذا الكلام؟ أو كيف يلتبس على أناس يدعون الإسلام؟ ولو شئت لذكرت لكم أسماء أناس من البارزين الآن يؤمنون بمثل هذا الكلام جداً، نسأل الله السلامة والعافية.

ثم زعم أن فرعون حينما قال: (فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من الحكم فيكم) زعم أن السحرة علموا أن فرعون هو المستحق للربوبية، والعكس هو الصحيح، أن السحرة تبرءوا من ربوبيته وإلهيته، وأعلنوا خلاف مذهبه، ولذلك فرعون قتلهم، لكن أراد ابن عربي أن يعكس القضية تماماً ويجعل الحق باطلاً والباطل حقاً.

ولذلك قال: (لم ينكروه) زعم أن السحرة لم ينكروا ربوبية فرعون، وأنهم أقروا له بذلك، وأنهم حينما أقروا له بالربوبية سلموا رقابهم له، وقالوا: اقض ما أنت قاض، انظروا هل بعد هذا التلبيس تلبيس؟ ثم قالوا: إنما تقضي هذه الحياة الدنيا، والدولة لك فصح قول فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:٢٤]، فهو يزعم أن قول فرعون هو الصحيح.

ثم استمر في هذيانه مما يجب أن يكون في عافية منه، لكن ربما يقول قائل: لماذا نقرأ مثل هذا الكلام؟ أقول: لن نقرأه كله، المجلد كله في هذا الموضوع، لكن سنقرأ نماذج تكفي لتصوركم لهذا المذهب الباطل؛ لأن هذا المذهب بدأ الآن يروج، وله دعاته عبر الفضائيات وعبر الإنترنت وعبر الإعلام، وبدأ يقتنع به طوائف، إضافة إلى طوائف الصوفية، وجمهور المتصوفة يصعب عليهم أن تقول لهم: إن ابن عربي ملحد رغم أن هذا كلامه، ولم يتراجع عنه في يوم من الأيام، والدليل أنه ما تراجع عنه، فقد كتبه في كتب مستقلة، ثم لما كتب مجموعة آرائهم في الكتب الكبيرة كفصوص الحكم أعاد هذا الكلام مرة وأكده ونظمه ورتبه، وجعله أكثر صراحة في الإلحاد والكفر، أقول: لولا الابتلاء بهذا الأمر، وأن جماهير من المسلمين تعد بالملايين يعتقدون هذا الكلام أنه حق، ويتأولون له، ويزعمون أن له باطناً، ولا يرضى أحدهم أن يقال: إن ابن عربي زنديق ملحد رغم وضوح الزندقة والإلحاد، لولا وجود مثل هذه الظواهر بين المسلمين لما احتاجنا أن نقرأ هذا الكلام، لكن أنتم بمثابة طلاب علم متخصصين، فلو كان هذا الدرس للعامة لما قرأنا مثل هذا، بل لو كان أيضاً عند طلاب علم صغار ما قرأنا مثل هذا.

وهؤلاء الملاحدة الخلص يقرءون الآيات ويتأولونها، فمثلاً: ابن عربي يسمي الأنبياء وأتباعهم: العوام، ويقول عن النبوات والرسالات: (هذه مجرد سياسات إلهية لضبط الناس في سلوكهم في الدنيا، وإلا فالنار في الآخرة ما هي إلا غاية النعيم) مثل هذا ماذا تصنع به، يرى أن الوعيد الذي على فرعون هو قمة النعيم، والوعيد إنما سمي وعيداً وسميت النار ناراً من أجل ضبط سلوك العامة في الدنيا؛ حتى يكون عندهم رادع خوف، ف

<<  <  ج: ص:  >  >>