[وجه بطلان أعمال الكفار وذكر أنواع الباطل]
قال رحمه الله تعالى: [والباطل نوعان أيضاً: أحدهما: المعدوم، وإذا كان معدوماً كان اعتقاد وجوده والخبر عن وجوده باطلاً؛ لأن الاعتقاد والخبر تابع للمعتقد المخبر عنه، يصح بصحته ويبطل ببطلانه؛ فإذا كان المعتقد المخبر عنه باطلاً كان الاعتقاد والخبر كذلك، وهو الكذب.
الثاني: ما ليس بنافع ولا مفيد، كقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا} [ص:٢٧] وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل لهو يلهو به الرجل فهو باطل، إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته امرأته، فإنهن من الحق).
وقوله عن عمر: (إن هذا رجل لا يحب الباطل) وما لا منفعة فيه فالأمر به باطل، وقصده وعمله باطل؛ إذ العمل به والقصد إليه والأمر به باطل.
ومن هذا قول العلماء: العبادات والعقود تنقسم إلى صحيح وباطل.
فالصحيح ما ترتب عليه أثره، وحصل به مقصوده.
والباطل ما لم يترتب عليه أثره، ولم يحصل به مقصوده؛ ولهذا كانت أعمال الكفار باطلاً.
فإن الكافر من جهة كونه كافراً يعتقد ما لا وجود له ويخبر عنه، فيكون ذلك باطلاً، ويعبد ما لا تنفعه عبادته ويعمل له ويأمر به، فيكون ذلك أيضاً باطلاً، ولكن لما كان لهم أعمال وأقوال صاروا يشبهون أهل الحق].
يعني: يشبهون أهل الحق في ظاهر الأعمال، لا بد من تقييد العبارة، والشيخ يريد ذلك، ويتبين هذا من خلال استدلاله، حينما كان لهم أعمال وأقوال صار أهل الباطل يشبهون أهل الحق في ظاهر الأعمال فيما يبدو لنا، والأمر لا يشتبه على من أعطاه الله عز وجل التمييز بين الحق والباطل، ومن امتلأ قلبه بالإيمان واليقين لا يشتبه عليه الحق بالباطل، حتى إن الله عز وجل يعطيه من الفراسة ما يتبين له وجوه الحق ووجوه الباطل، كما بين الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم كيف يعرف المنافقين بسيماهم وبلحن القول منهم، وكذلك كل مؤمن له من هذه الفراسة بقدر اتباعه للرسول صلى الله عليه وسلم، وكل مؤمن له من هذه الفراسة التي يميز فيها بين الحق والباطل بقدر ما في قلبه من النور والهدى.
قال رحمه الله تعالى: [فلذلك قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور:٣٩].
وقال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ} [محمد:١ - ٣] إلى قوله: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:٣٣].
وقال: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:٢٣].
وقال تعالى: {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا} [البقرة:٢٦٤].
فبيّن أن المن والأذى يبطل الصدقة فيجعلها باطلاً لا حقاً، كما يبطل الرياء وعدم الإيمان الإنفاق أيضاً، وقد عمم بقوله: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:٣٣] أي: لا تجعلوها باطلة لا منفعة فيها ولا ثواب ولا فائدة].