[الجواب الأول لأهل السنة على المتكلمين فيما يتعلق بصفات الله الفعلية]
قال رحمه الله تعالى: [ويجيبهم أهل السنة والإثبات بجوابين معروفين: أحدهما: أن المتجدد نسبة وإضافة بينه وبين العرش بمنزلة المعية، ويسميها ابن عقيل: الأحوال].
هذه المسألة تعتبر من أكبر المسائل وأقواها حجة عند السلف ضد المخالفين فيما يتعلق بصفات الله الفعلية، وهو أن المتجدد يعني: أفعال الله عز وجل، ويمكن أن نقول: إن الله يفعل متى شاء، ونقول: إن الله سبحانه وتعالى يتكلم متى شاء، وهذا حق وهذا كمال لله، وأنه ينزل متى شاء وكيف شاء، كما ورد في النصوص، وأنه ينادي عباده متى شاء، وقد نادى قبل ذلك، وسينادي يوم القيامة وهكذا، وأن صفاته سبحانه الفعلية متعلقة بالمشيئة، وأصول هذه الأفعال من صفات الله عز وجل الثابتة، وكذلك مفرداتها من صفات الله عز وجل، فالأصل في صفة الكلام أنها ثابتة لله عز وجل بذاتها، وأن الله يتكلم كلاماً يليق بجلاله، في أفرادها ومفرداتها، أيضاً الله عز وجل يتكلم متى شاء، وهذا التكلم المربوط بالمشيئة سماه أهل الكلام حادثات، وقالوا: إنا إذا قلنا بأن الله يتكلم متى شاء.
فهذا يعني أن الله تحدث له حوادث، هكذا يتحكمون من عندهم، فزعموا أن الله تكون له قدرة لم تكن، وتنشأ عنده إرادة لم تكن إلى آخره! كل هذه من لوازم التزموها بناء على قياس الخالق عز وجل بالمخلوق، وعلى الخضوع لهذه القاعدة الفاسدة: أن الله كان، وأنه لم يتجدد له شيء بعد أن كان، أو كان الله ولم يكن قبله شيء، ثم هو أيضاً على ما كان لا زمان ولا مكان كما زعموا، فزعموا أن تجدد الحادثات يقتضي الزمانية والمكانية في حق الله، وأنه يقتضي الحدوث في أفعال الله، وهذه فلسفة كلها تخرصات وتوهمات وقياسات للخالق والمخلوق، وليس أمام العبد المسلم إلا أن يسلّم بما جاء عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم في صفات الله وأفعاله، والمستلزمات التي يراها في ذهنه ليست لازمة، والحق منها يلزم والباطل منها لا يلزم.
فمن هنا أقول: قال السلف: (إن المتجدد -أي: من هذه الصفات الفعلية- نسبة إضافية بينه وبين العرش) لقد حصر الشيخ التجدد فيما يتعلق بالعلو والاستواء والنزول والمجيء؛ لأن أكثر أفعال الله عز وجل من هذا النوع؛ وذلك لأن العرش أعظم الخلق، فنسبة أفعال الله عز وجل جاء ذكرها في الكتاب والسنة مرتبطة بالعرش من حيث سياق نصوص القرآن والسنة، فالاستواء ربط بالعرش والعرش مخلوق، وما دون العرش داخل في العرش بالضرورة، الكرسي داخل في العرش، وكذلك بقية المخلوقات.
فالعرش هو أعظم الخلق، كثير من الصفات لله عز وجل ربطت في النص الشرعي بالعرش؛ لأجل أن يتصور الإنسان عظمة الله عز وجل؛ ولأن ذلك دال على أن العرش مخلوق لله، ومع ذلك فإن الله عز وجل ذكر استواءه على العرش على ما يليق بجلاله، والعلو مرتبط بالعرش، والعلو كذلك مرتبط بالمخلوقات، علو الله عز وجل على المخلوقات ونحو ذلك.
أيضاً سيأتي من وجه آخر ما يدل على أن عند السلف عمقاً في التفكير، لكنهم لا يتمادون في التفلسف، وإذا قلنا: إن الصفات الفعلية كلها أو أغلبها مرتبط ببعض المخلوقات، فنزول الله عز وجل نزولاً يليق بجلاله لا نفهم كيف يكون، لكن النزول مرتبط بالعلو وبالفوقية لا شك، لكن حقيقة الارتباط أمر لا ندركه إطلاقاً، فعلى هذا لا يمكن أن يفهم الإنسان معاني العلو والفوقية والاستواء والنزول والمجيء إلا إذا عرف الفرق بين الخالق والمخلوق؛ إذا عرف أن العرش وما دونه غير الله عز وجل، والمغايرة بين الخالق والمخلوقات هي أكبر رد عقلي وشرعي على أصحاب الحلول والاتحاد ووحدة الوجود؛ لأنهم حينما زعموا أن الله هو المخلوقات، قيل لهم: ما معنى الاستواء؟ وما معنى الفوقية؟ وما معنى العلو؟ وهذا ما سيشير إليه الشيخ.
نقف عند قول الشيخ: (أن المتجدد نسبة وإضافة بينه وبين العرش) أي: بين الله عز وجل وبين العرش؛ لأن العرش أعظم الخلق، فالعلو والنزول والمجيء والاستواء إنما نفهم حقيقتها من خلال ما فهمنا من وجود العرش، وبربط هذه المخلوقات بأفعال الله عز وجل كالاستواء والنزول والمجيء وغيرها.
قال رحمه الله تعالى: [أحدهما: أن المتجدد نسبة وإضافة بينه وبين العرش بمنزلة المعية، ويسميها ابن عقيل: الأحوال، وتجدد النسب والإضافات متفق عليه بين جميع أهل الأرض من المسلمين وغيرهم؛ إذ لا يقتضي ذلك تغيراً ولا استحالة].
يشير الشيخ إلى ما ورد في النصوص، فهو لا يشير إلى اجتهاد من عنده، أن لما ذكر الله عز وجل خلق السماوات والأرض ذكر الاستواء، قال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:٥٤] فهذا له مفهومان: مفهوم يتعلق بالله عز وجل، ومفهوم يتعلق بتصورنا نحن عن فعل الله، وأفعال الله على نوعين: أفعال تتعلق بصفاته، فهذه أزلية.
وأفعال تتعلق بآثار فعله في خلقه، فهذه تتجدد.
فالله عز وجل ذكر لنا أن الاستواء متجدد، والنزول والمجيء يتجددان، والتجدد لا يعني أنه تحدث لله قدرة لم تكن أو فعل لم يكن من صفاته، لا، وإنما آحاد التجدد وأفراده تكون بعد أن لم