للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيان مظاهر ألوهية الله وربوبيته وحكمته ورحمته وتدبيره العالم المحيط]

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد: فبعون الله وتوفيقه نستأنف درسنا اليوم في الفتاوى، وبعض المقاطع التي سنقرؤها طويلة وليس فيها تعليقات والشيخ في هذا الفصل أراد أن يرد على أهل الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، وذلك بتقرير الفرق الفطري والعقلي والشرعي المسلم به لدى جميع العقلاء بين الخالق عز وجل وبين المخلوقين بين الرب وبين المربوبين، وذلك أن الرب سبحانه هو الخالق البارئ المصور سبحانه، وهو الغني وهو المعبود وله المثل الأعلى في كل شيء، وله الكمال المطلق، وله الجلال والجمال سبحانه، وهو سبحانه الذي بيده مقاليد السماوات والأرض بيده ملكوت كل شيء، وأما المخلوق المربوب فهو ضعيف فقير مفتقر إلى الله عز وجل في كل شيء، ومحدود في الزمان والمكان، وهذا الفرق سيقرره الشيخ على نحو القواعد التي تتضمن الرد على فلسفة أصحاب الحلول ووحدة الوجود والاتحاد، لكن على منحى شرعي يستند ويرتكز على الدليل الشرعي المتضمن للدليل العقلي، على نحو ما ستلاحظون من خلال استقراء وسرد الآيات التي تدل على هذه الأمور، وإن كانت دلالتها بدهية كما ذكرت في دروس سابقة؛ لكن نظراً لأن هؤلاء المبطلين شككوا في البدهيات فلا بد من تقرير الحق، لاسيما وأنهم ضللوا وخدعوا ولبسوا على طوائف من المسلمين، فكان لا بد من تمييز الحق من الباطل، والدفاع عن الحق ورد الباطل بالقواعد الشرعية.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [فصل.

وهو كما يشهد ربوبيته وتدبيره العالم المحيط وحكمته ورحمته، فكذلك يشهد إلهيته العامة، فإنه الذي في السماء إله وفي الأرض إله، إله في السماء، وإله في الأرض: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:٢٩]، وكذلك قوله: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} [الأنعام:٣] الآية، على أحد القولين: على وقف من يقف عند قوله ((وَفِي الأَرْضِ)) فإن المعنى: هو في السماوات الله، وفي الأرض الله، ليس فيهما من هو الله غيره.

وهذا وإن كان مشابهاً لقوله: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف:٨٤] فهو أبلغ منه.

ونظيره قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:٢٢].

وقد قال تعالى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم:٢٧].

وقال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:٤٤].

وقال: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران:٨٣].

وقوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [الرعد:١٥].

وقوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} [الحج:١٨].

وقوله تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ * وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الروم:٢٦ - ٢٧].

وقوله: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر:١].

{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الجمعة:١].

ونحو ذلك من معاني ألوهيته، وخضوع الكائنات وإسلامها له، وافتقارها إليه، وسؤالها إياه، ودعاء الخلق إياه، إما دعاء عبادة، وإما دعاء مسألة، وإما دعاؤهما جميعاً، ومن أعرض عنه وقت الاختيار: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:٦٧]، {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:٦٢]، ونشهد أن كل معبود سواه من لدن عرشه إلى قرار أرضه، فإنه باطل إلا وجهه الكريم، كما نشهد أنها كلها مفتقرة إليه في مبدئها، نشهد أنها مفتقرة إليه في منتهاها، وإلا كانت باطلة.

فهذه المعاني التي فيها تأله الكائنات إياه، وتعلقها به، والمعاني الأول التي فيها ربوبيته إياهم وخلقه لهم، يوجب أن يعلم أنه رب الناس ملك الناس، إله الناس وأنه رب العالمين لا إله إلا هو، والكائنات ليس لها من نفسها شيء، بل هي عدم م

<<  <  ج: ص:  >  >>