[الفرق بين الكلمات الكونية والكلمات الدينية من الأمر والإرادة والقضاء والحكم]
قال رحمه الله تعالى: [وقد فرّق الله في كتابه بين القسمين، بين من قام بكلماته الكونيات، وبين من اتبع كلماته الدينيات، وذلك في أمره، وإرادته، وقضائه، وحكمه، وإذنه، وبعثه، وإرساله؛ فقال في الأمر الديني الشرعي: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل:٩٠].
وقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:٥٨].
وقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:٦٧].
وقال في الأمر الكوني القدري: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢].
وقال: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل:١].
وكذلك قوله: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} [الإسراء:١٦] على أحد الأقوال].
أشار الشيخ إلى الكلمات الكونيات والكلمات الدينيات؛ نظراً لأن هذه العبارات ستتكرر عند الشيخ فيما يستقبل من كلامه في هذه المواضع، فلعل من أبين ما يمكن أن يميز به بين النوعين: الكلمات الكونيات، والكلمات الدينيات، أن الكلمات الدينيات هي ما تكلم الله به عز وجل في الوحي، التي هي كلامه في كتبه المنزّلة، والقرآن الذي هو كلامه عز وجل، وما يتكلم الله به مع العباد ومع الخلق خاصة في أمر الشرائع والأوامر والنواهي، فهذه كلمات الله الدينية، ومنها المتعلق بصفته سبحانه صفة الكلام، الذي به يأمر وينهى ويخبر.
أما الكلمات الكونيات فهي كلمات الله التي يخلق ويدبر بها الخلق، مثل كلمة (كن)، وغير ذلك من الأوامر الكونية التي يأمر بها المخلوقات، كأمره للملائكة المسخرة، وأمره للسماء والأرض وغير ذلك من الأوامر والكلمات التي تتعلق بالربوبية، فهذه كلمات الله الكونية.
إذاً: الكلمات الكونيات: هي التي تتعلق الربوبية من الخلق والتدبير، والكلمات الدينيات: هي ما يتعلق بالوحي والشرائع، الذي فيه توجيه العباد وأمرهم ونهيهم.
قال رحمه الله تعالى: [وقال في الإرادة الدينية الشرعية: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:١٨٥].
{يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء:٢٦].
{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة:٦].
وقال في الإرادة الكونية القدرية: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام:١٢٥].
{وَلا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود:٣٤].
{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} [المائدة:٤١].
وبهذا الجمع والتفريق تزول الشبهة في مسألة الأمر الشرعي: هل هو مستلزم للإرادة الكونية أم لا؟ فإن التحقيق أنه غير مستلزم للإرادة الكونية القدرية، وإن كان مستلزماً للإرادة الدينية الشرعية.
وقال في الإذن الديني: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [الحشر:٥].
وقال في الإذن الكوني: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:١٠٢].
وقال في القضاء الديني: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:٢٣] أي: أمر ربك بذلك.
وقال في القضاء الكوني: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت:١٢].
وقال في الحكم الديني: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة:١].
وقال: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} [الممتحنة:١٠].
وقال: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:٥٠].
وقال في الحكم الكوني: {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [يوسف:٨٠].
وقد يجمع الحكمين مثل ما في قوله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام:٥٧]، وكذلك فعله: {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} [غافر:٢٠].
وقال في البعثين وا