للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مجيء الشريعة في العبادة باسم الله وفي السؤال باسم الرب]

قال رحمه الله تعالى: [فهو سبحانه مستحق التوحيد، الذي هو دعاؤه وإخلاص الدين لي، دعاء العبادة بالمحبة والإنابة والطاعة والإجلال والإكرام والخشية والرجاء ونحو ذلك من معاني تألهه وعبادته، ودعاء المسألة والاستعانة بالتوكل عليه والالتجاء إليه والسؤال له، ونحو ذلك مما يفعل سبحانه بمقتضى ربوبيته، وهو سبحانه الأول والآخر والباطن والظاهر.

ولهذا جاءت الشريعة الكاملة في العبادة باسم الله، وفي السؤال باسم الرب، فيقول المصلي والذاكر: الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، وكلمات الأذان: الله أكبر الله أكبر إلى آخرها ونحو ذلك].

يشير الشيخ هنا إلى معنى مهم، وهو أن العبادة هي توجه العباد بقلوبهم وأعمالهم إلى الله عز وجل، وهي التأليه، وهذه تشمل كل معاني العبادة، ويجمعها أن العبد يتوجه إلى ربه عز وجل بالمحبة والتعظيم والرجاء والخوف والتوكل وسائر الأعمال القلبية، فهو حينما يعبد الله عز وجل يعبده مؤلهاً له، متوجهاً إلى ربه بجميع أنواع التوجه؛ لأن من أعظم معاني اسم الجلالة (الله) انجذاب العباد إلى ربهم بقلوبهم وأعمالهم وأحوالهم، وهذه عبادة غالباً تكون عبادة محضة.

والنوع الثاني: السؤال، وهو استجلاب المنفعة للعبد من ربه، واستدفاع الضر منه عز وجل؛ فيكون متوجهاً إلى معنى الربوبية التي هي أفعال الله عز وجل.

فالإنسان إذا عبد الله فباب العبادة هو الألوهية، وإذا سأل الله فباب السؤال هو الربوبية؛ ولذلك إذا كان الذكر محضاً؛ فينبغي أن يكون غالباً بوصف الله عز وجل بالإلهية، وإذا كان الذكر دعاء واستجلاباً؛ فينبغي أن يركز العبد على أوصاف الربوبية لله عز وجل، فيقول: يا رب يا رب! لاستجلاب المنفعة ودفع المضرة، وفي الذكر وتعظيم الله عز وجل الأولى أن يكثر من استعمال لفظ الجلالة (الله).

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي

السؤال

{ قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} [الأعراف:٢٣].

{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} [نوح:٢٨].

{رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص:١٧].

{رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [القصص:١٦].

{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} [آل عمران:١٤٧].

{رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون:١١٨] ونحو ذلك.

وكثير من المتوجهين السالكين يشهد في سلوكه الربوبية، والقيومية الكاملة الشاملة لكل مخلوق، من الأعيان والصفات.

وهذه الأمور قائمة بكلمات الله الكونية، التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بها، فيقول: (أعوذ بكلمات الله التامات، التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق، وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن)].

<<  <  ج: ص:  >  >>