للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرق بين المنهاج النبوي الإيماني والمنهاج الصابئ الفلسفي الكلامي]

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فيقول شيخ الإسلام أحمد بن تيمية قدس الله روحه: [فصل في تمهيد الأوائل وتقرير الدلائل.

وذلك ببيان وتحرير أصل العلم والإيمان، كما قد كتبته أولاً في بيان أصل العلم الإلهي والذي أكتبه هنا: بيان الفرق بين المنهاج النبوي الإيماني العلمي الصلاحي، والمنهاج الصابئ الفلسفي، وما تشعب عنه من المنهاج الكلامي والعبادي المخالف لسبيل الأنبياء وسنتهم].

يلاحظ أن الشيخ بدأ بالتفريق بين المنهجين في التعبير عنهما، تلاحظون قوله: (بيان الفرق بين المنهاج النبوي الإيماني)، على هذا فإن منهاج المخالفين ليس إيمانياً، ولم يصفه بأنه إيماني، فعلاً هو ليس إيماناً؛ لأن الإيمان هو استنارة القلب بنور الوحي، هذا هو الإيمان، وما عداه فليس بإيمان، فسمى المنهج الرباني الإلهي منهج النبوة، منهج السلف الصالح: المنهاج النبوي الإيماني.

فقوله: (بيان الفرق بين المنهاج النبوي) يعني: منهاج أهل السنة هو اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم والاهتداء بهداية الله عز وجل التي أرسلها إلى عباده، وهو هذا الوحي الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم المتمثل بالكتاب والسنة، فسماه نبوياً، بينما منهج المتكلمين ليس نبوياً، وسماه إيمانياً.

والإيمان هو هداية القلب، وهداية القلب لا تحصل بالمنهج الفلسفي، إنما تحصل بالوحي.

ثم سماه: العلمي، أي: ما جاء به القرآن والسنة هو العلم الذي مدحه الله عز وجل، ومدحه النبي صلى الله عليه وسلم، وأثنى على من يسلكه، هو العلم الشرعي المستمد من الكتاب والسنة، بينما منهج المتكلمين ليس علمياً على المصطلح الشرعي، فلا هو من علوم الدنيا الصحيحة، ولا من علوم الدين الصحيحة، منهج المتكلمين والفلاسفة في الإلهيات ليس بعلم؛ لأنه لا يسمى علماً إلا إذا كان علماً شرعياً، وقد يسمى علماً مقيداً لو كان علماً دنيوياًَ، مثل: علم الرياضيات، كما سيتكلم الشيخ عنه فيما بعد.

فالرياضيات مثلاً علم، لكنه علم استقرائي تطبيقي نظري صحيح، مثل أن نقول: هذا لا شك أنه علم، لكنه علم مستنبط من الدلالة العقلية، وكذلك علم الحس.

بينما علم الفلاسفة والمتكلمين ليس بعلم لا على النحو الشرعي ولا على النحو الدنيوي والاستقراء.

ثم سماه الصلاحي، أي: الذي تصلح به قلوب الناس وأعمالهم ودنياهم وآخرتهم، وهو منهج أهل السنة والجماعة في تقرير العقيدة، أما منهج المتكلمين فلا يحصل به صلاح لا للقلب ولا للعمل ولا للسان، ولا صلاح في الدنيا ولا في الآخرة.

ولذلك نجد الفلاسفة عموماً يظهر هذا على تصرفاتهم وسلوكهم، لا تجد فيلسوفاً مغرقاً في الفلسفة، أو متكلماً مغرقاً في علم الكلام، لا تجده ناجحاً في دنياه، فضلاً عن دينه وآخرته، أغلب الفلاسفة لا يجيد التصرف في الدنيا، ولا يجيد المعاملة مع الناس، تأملوا هذا في تاريخ الفلاسفة، اقرءوا سيرهم، لا يجيد التعامل في أمور الدنيا؛ لأنه مثالي، لا يبني أسرة مستقرة، ولا يبني عملاً دنيوياً مستقراً، ولا يبني ديناً، فلا هم أهل دنيا ولا أهل دين، هذا هو الغالب عليهم، تأملوا أحوالهم وستجدون ذلك، وهذا هو معنى قول الشيخ: (الصلاحي) أي: أن المنهج الحق صلاحي، تصلح به أحوال الأفراد والأمة والأسر والجماعة والقلوب والأعمال، وتسعد به البشرية في الدنيا والآخرة.

ثم قال: (والمنهاج الصابئ الفلسفي) يعني: يشير بذلك إلى منهاج المتكلمين، وأنه ليس منهجاً نبوياً ولا إيمانياً وإنما هو منهج الصابئة المشركين والفلاسفة الدهرية أو غير الدهرية، الفلاسفة المشركة الذين ليس عندهم علم صحيح ولا دين ولا عقيدة مستقيمة.

والفلسفة التي تأثر بها المسلمون الغالب أنها فلسفة الصابئة.

ثم قال: (وتشعب عنه من المنهاج الكلامي والعبادي)، (الكلامي) يعني: العقدي، (والعبادي) يعني: منهج العبادة، فمنهج العقيدة عند أهل المنهاج النبوي: هو المنهج السليم الصالح المفيد، وكذلك منهج العبادة عند أصحاب المنهج النبوي: هو المنهج المفيد الموصل إلى رضا الله عز وجل، الذي يتحقق به صلاح القلوب، وصلاح الأحوال للعباد.

بينما منهج هؤلاء الصابئية الفلاسفة أهل الكلام منهج منحرف في العقيدة، ومنحرف في العبادة ومخالف لسبيل الأنبياء وسننهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>