للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم الخوارج عند شيخ الإسلام رحمه الله]

السؤال

في تبويب شيخ الإسلام في فضل السلامة من البدعة والشرك والكبائر، ثم ذكر الخوارج، فهل يرى الشيخ تكفيرهم؟

الجواب

ما يلزم أنه يرى تكفيرهم، بل الذي أعرف أن الشيخ لا يرى تكفيرهم عموماً، الخوارج ليسوا كفاراً، ولكنهم من أهل البدع، ولا يلزم من قتال المبتدع أن يكون كافراً، ولذلك قاتلهم الصحابة وعلى رأس الصحابة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولما سئل عنهم قال: هم إخواننا بغوا علينا، ثم لما قيل له: هم كفار؛ قال: لا والله من الكفر فروا.

فينبغي أن نفهم أنه لا يلزم من القتال الكفر، فقتال أهل البغي والخارجين عن الإمام، أحياناً يكون من الصالحين، لكن يقاتلون متأولين، ولذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في مسلم وغيره أنه من خرج على الإمام المسلم الذي له بيعة وعهد وعلى الجماعة فإنه يقاتل كائناً من كان.

وأهل الذنوب الذين تقتضي ذنوبهم قتلهم، مثل الزاني إذا استحق الرجم، هذا ما يخرج من الملة، مع أنه يقتل قتلة فيها نوع من التعزير الشديد، لكن لله في ذلك حكمة، فالمهم أنه لا يلزم من قول الشيخ في سياق حديثه عن الخوارج وقتالهم أنه يرى كفرهم.

المهم أن علي بن أبي طالب وغيره من الصحابة الذين قاتلوا الخوارج لم يقاتلوهم حتى بدءوا هم، وهذا اجتهاده وبعض الصحابة، لكن بعض الجيش مع علي رضي الله عنه من المسلمين المجتهدين كانوا يرون أن يقاتلوا قبل أن يبدءوا، علي رضي الله عنه إمام المسلمين في ذلك الوقت كان لا يرى قتالهم حتى يحدثوا وحتى يقاتلوا.

يعني: أنه يقصد أنا لا نتحقق من بدعتهم حتى يعملوا بمقتضاها، فلا نستطيع أن نلزمهم بأنهم ارتكبوا بدعة التكفير، فربما يكون قول بعضهم، أو لهم في التكفير أعذار من جهل أو نحو ذلك.

فلما قاتلوا تبين إصرارهم على بدعة التكفير، واستباحتهم للدم دليل على أن هذه البدعة تعمقت، وأنها ليست مجرد عوارض، وأنها ليست قول البعض، بل أجمعوا واتفقوا عليها، فمن هنا استباح علي رضي الله عنه قتالهم؛ لأن بدعتهم ظهرت وتأكدت من خلال تصرفهم.

أما الأحاديث فهي مطلقة، وردت في الخوارج القدامى، ووردت في الخوارج المتأخرين الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث البخاري وغيره: (سيخرج في آخر الزمان أناس حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية)، ثم سرد صفاتهم والقول فيهم إلى أن قال: (فإذا لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن لمن قتلهم الجنة).

هذا فيما جاء في سياق الحديث عن الخوارج الذين يخرجون في آخر الزمان، والراجح من كلام كثير من المحققين من أهل العلم أنهم غير الخوارج الأولين؛ لأن هؤلاء جاء فيهم نصوص وهؤلاء جاء فيهم نصوص، وكلهم خوارج.

إذاً: فقتل الخوارج لا يلزم منه خروجهم من الملة، ولا أن بدعتهم بدعة مكفرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>