للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرد على القائلين بأن الله نطق على لسان الحلاج]

قال رحمه الله تعالى: [ومن قال: إن الله نطق على لسان الحلاج، وإن الكلام المسموع من الحلاج كان كلام الله، وكان الله هو القائل على لسانه: أنا الله، فهو كافر باتفاق المسلمين، فإن الله لا يحل في البشر، ولا تكلم على لسان بشر، ولكن يرسل الرسل بكلامه، فيقولون عليه ما أمرهم ببلاغه، فيقول على ألسنة الرسل ما أمرهم بقوله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما إن الله قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده).

فإن كل واحد من المرسل والرسول قد يقال: إنه يقول على لسان الآخر، كما قال الإمام أحمد بن حنبل للمروذي: قل على لساني ما شئت.

وكما يقال: هذا يقول على لسان السلطان كيت وكيت، فمثل هذا معناه مفهوم.

وأما أن الله هو المتكلم على البشر كما يتكلم الجني على لسان المصروع].

هنا عبارة ينبغي أن تدرج وهي (لسان) في قوله: وأما أن الله هو المتكلم على لسان البشر حتى تستقيم العبارة.

قال رحمه الله تعالى: [وأما أن الله هو المتكلم على [لسان] البشر كما يتكلم الجني على لسان المصروع، فهذا كفر صريح، وأما إذا ظهر مثل هذا القول عن غائب العقل قد رفع عنه القلم؛ لكونه مصطلماً في حال من أحوال الفناء والسكر، فهذا تكلم به في حال رفع عنه فيهما القلم، فالقول وإن كان باطلاً، لكن القائل غير مؤاخذ.

ومثل هذا يعرض لمن استولى عليه سلطان الحب مع ضعف العقل، كما يقال: إن محبوباً ألقى نفسه في اليم، فألقى المحب نفسه خلفه، فقال: أنا وقعت فلم وقعت خلفي؟ قال: غبت بك عني فظننت أنك أني.

وقد ينتهي بعض الناس إلى مقام يغيب فيه بمعبوده عن عبادته، وبمذكوره عن ذكره وبمعروفه عن معرفته.

فإذا ذهب تمييز هذا وصار غائب العقل بحيث يرفع عنه القلم لم يكن معاقباً على ما تكلم به في هذه الحال، مع العلم بأنه خطأ وضلال، وأنه حال ناقص لا يكون لأولياء الله].

هذه المسألة تكررت، وأيضاً تكرر التنبيه على أن شيخ الإسلام يحاول أن يعذر الذين تظهر على ألسنتهم أقوال إلحادية أو أفعال إلحادية أو اعتقادات إلحادية، وهذا الصنف الذي يرى أنه يعذر هو الصنف الذي يتجه إلى العبادة اتجاهاً خاطئاً، يتبع نهج عباد الأمم الذين ينهجون في العبادة مناهج بدعية، مثل: إرهاق النفس بالجوع والعطش والسهر والتأمل وغير ذلك، فيصل الأمر إلى أن يخلط الإنسان ويكون عنده ما نسميه بالهستيريا أو نحو ذلك مما يعتري البشر بسبب هذه المناهج البدعية.

فالشيخ يذكر أن من تظهر منهم كلمات بدعية كفرية أو إلحادية أو أقوال أو أفعال تقتضي الخروج من الملة وهم على هذه الحال، فإنا لا نحكم عليهم بذلك، وإن كانت أقوالهم إلحادية، وإن كان المسلك الذي سلكوه في الوصول إلى هذه الحال مسلكاً بدعياً، وهو مقام ما يسمونه: الفناء بمعبوده عن عبادته، وبمذكوره عن ذكره، وبمعرفته عن معروفه.

يعني: أن الإنسان يفقد وعيه في توجهه إلى العبادة على انحراف، وأنه يغيب عقله، ويقع فيما يسمونه: السكر التعبدي العبادي أو التحنثي، لا السكر الحقيقي الفعلي.

فالشيخ كثيراً ما يعتذر لهذا الصنف، لكن الذي ينبغي أن نفهمه جيداً أنه لا يسيغ كلامهم أبداً، ولا يمرر كلامهم أو يتكلف له، بل يقول: هذا كلام إلحادي كفري.

إذاً: غاية ما يحصل من شيخ الإسلام أنه يعذر هؤلاء ولا يحكم على أعيانهم بالكفر، أما أقوالهم الكفرية ومناهجهم فإنه يبدعها كما سمعتم.

<<  <  ج: ص:  >  >>