قال رحمه الله تعالى:[فأجاب شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه، فقال: الحمد لله، كلام هذا الثاني كلام باطل، وخوض فيما لم يحط بعلمه ولم يعرف حقيقته، ولا هو عارف بحقيقة قول ابن عربي وأصله الذي تفرع منه هذا الشعر وغيره، ولا هو أخذ بمقتضى هذا اللفظ ومدلوله.
فأما أصل ابن عربي فهو أن الوجود واحد، وأن الوجود الواجب هو عين الوجود الممكن].
قولهم:(الوجود الواجب) يعبرون به عن الله عز وجل، و (الوجود الممكن) يعبرون به عن الخلق فهم يقولون: إن الخلق والخالق والمخلوق واحد لا فرق بينهم، هذه وحدة الوجود، وهذا عين الكفر كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، وليس هناك أكفر من هذا القول؛ لأنه يؤدي إلى الإلحاد المطلق الكامل، الإلحاد المقنن المفلسف، كما أنه يؤدي أيضاً إلى أعظم الإساءة إلى الله عز وجل، يعني: إلى حد أن أصحاب وحدة الوجود إذا سمع أحدهم حيواناً سبح له كما يسبح لله، هذا أمر شنيع لا يتصور لكنه هو نتيجة مذهب وحدة الوجود.
إذاً: معنى قول الشيخ واجب الوجود يعني: الله، وممكن الوجود يعني: المخلوقات.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[والقول بأن المعدوم شيء وأعيان المعدومات ثابتة في العدم، ووجود الحق فاض عليها، فوجود كل شيء عين وجود الحق عنده، وهذا مقصود في غير هذا الموضع].
قوله:(والقول بأن المعدوم شيء) هذا قول كثير من الفلاسفة، وقد يقول بعضكم: ما لنا ومال هذا القول؟ نقول: لا بد من رد هذا القول؛ لأنهم لما افترضوا أن المعدوم شيء بنوا عليه أحكاماً وعقائد وأوهاماً وتصورات، حتى في أمور الدنيا لما زعموا أن المعدوم شيء بنوا على المعدوم أحكاماً، وهذا باطل انبنى على باطل، فهل المعدوم ينبني عليه أحكام؟! وهذا من مذهب ابن عربي، ومذهب ابن عربي أن أعيان المعدومات ثابتة في العدم يعود إلى الأول، يعني: لما قالوا: إن المعدومات أعيان، يعني: ذوات، كيف يكون هذا المعدوم عيناً، هذا أمر لا يصح عقلاً ولا يمكن أن يرد في الذهن، لكنهم أحياناً يجعلون الأوهام أشياء؛ فلذلك قالوا: إن أعيان المعدومات ثابتة في العدم، كأنهم يقولون: الأشياء قبل الوجود لها وجود، لكن كانت على وضع غير وضع الموجودات.
ولذلك كل أمر يتصورونه يعتقدونه، بناء على أن المعدوم شيء، وأن المعدومات ثابتة في العدم، وهذا هروب من إثبات وجود الله؛ لأنهم يزعمون أن هذه الموجودات كان لها وجود في الأعيان، ويثبت لها حق الوجودية وتثبت لها أحكام الوجود، وهذه فلسفة، لكن لماذا نقولها؟ ولماذا صار إليها شيخ الإسلام ابن تيمية؟ كما سترون في دروس قادمة أنهم خلطوا هذه الفلسفة بعقائد المسلمين، التي ادعوا أنهم أصحابها، وهذا التصور هو سبب كثير من الغلط من المتكلمين، وهو سبب القول بوحدة الوجود والحلول والاتحاد إلى غير ذلك.
ثم قال:(ووجود الحق فاض عليها) الفيض: نظرية فلسفية، يقصدون به تأثيراً معنوياً، هذا التأثير المعنوي ينتقل من مرحلة إلى مرحلة، أو من المؤثر إلى المؤثر فيه، فينتج عن ذلك أثر مادي، والعملية بين الفائض والمفوض عليه عملية ذهنية لا حقيقة لها، لكنهم يتصورونها، ولذلك زعموا أن الدين كله والوحي خيال ليس له حقيقة مستقلة، إنما هو فيض، فوجود كل شيء عين وجود الحق عندهم، وهذا مبسوط في غير هذا الموضع، كما هو في الرد على فصوص الحكم لشيخ الإسلام ابن تيمية.