للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إنكار الله تعالى للباطل من الحلول والاتحاد في آيات كثيرة]

قال رحمه الله تعالى: [وأما إنكار الباطل فقد نزه الله نفسه عن الوالد والولد، وكفر من جعل له ولداً أو والداً أو شريكاً، فقال تعالى في السورة التي تعدل ثلث القرآن التي هي صفة الرحمن، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل سورة من القرآن ما صح في فضلها؛ حتى أفرد الحفاظ مصنفات في فضلها، كـ الدارقطني، وأبي نعيم، وأبي محمد الخلال.

وأخرج أصحاب الصحيح فيها أحاديث متعددةً، قال فيها: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:١ - ٤].

وعلى هذه السورة اعتماد الأئمة في التوحيد، كالإمام أحمد، والفضيل بن عياض وغيرهما من الأئمة قبلهم وبعدهم.

فنفى عن نفسه الأصول والفروع والنظراء].

نفي الأصول: هو معنى قول الله عز وجل: ((وَلَمْ يُولَدْ) ونفي الفروع: هو معنى قوله عز وجل: ((لَمْ يَلِدْ) وفي النظراء والشبيه والمثل: قوله عز وجل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:٤].

قال رحمه الله تعالى: [فنفى عن نفسه الأصول والفروع والنظراء، وهي جماع ما ينسب إليه المخلوق من الآدميين والبهائم والملائكة والجن، بل والنبات ونحو ذلك؛ فإنه ما من شيء من المخلوقات إلا ولا بد أن يكون له شيء يناسبه إما أصل، وإما فرع، وإما نظير، أو اثنان من ذلك أو ثلاثة، وهذا في الآدميين والجن والبهائم ظاهر.

وأما الملائكة فإنهم وإن لم يتوالدوا بالتناسل فلهم الأمثال والأشباه؛ ولهذا قال سبحانه: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات:٤٩] {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات:٥٠]، قال بعض السلف: لعلكم تتذكرون فتعلمون أن خالق الأزواج واحد.

ولهذا كان في هذه السورة الرد على من كفر من اليهود والنصارى والصابئين والمجوس والمشركين، فإن قوله: ((لَمْ يَلِدْ)) رد لقول من يقول: إن له بنين وبنات من الملائكة أو البشر، مثل من يقول: الملائكة بنات الله، أو يقول: المسيح، أو عزير ابن الله، كما قال تعالى عنهم: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:١٠٠].

وقال تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمْ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ * أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَاصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلا تَذَكَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ * فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتْ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [الصافات:١٤٩ - ١٥٨].

وقال تعالى: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة:٣٠ - ٣١].

وقد أخبر أن هذا مضاهاة لقول الذين كفروا من قبل.

وقد قيل: إنهم قدماؤهم، وقيل: مشركو العرب، وفيهما نظر؛ فإن مشركي العرب الذين قالوا هذا ليسوا قبل اليهود والنصارى وقدمائهم منهم، فلعله الصابئون المشركون، الذين كانوا قبل موسى والمسيح بأرض الشام ومصر وغيرها، الذين يجعلون الملائكة أولاداً له، كما سنبينه.

وقال تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمْ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمْ الْحُسْنَى} [النحل:٦٢]، وهو قول من قال من العرب: إن الملائكة بنات الله.

وقال تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ * وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ *

<<  <  ج: ص:  >  >>