وجه الاستدلال بهذه الآيات واضحة، وهو أنه لو كان الناس يستقلون بعقولهم لإدراك ما يرضي الله عز وجل لما احتجوا بأنهم يحتاجون إلى بعث الرسل، ولما كان بعث الرسل هو الطريق الموصل إلى رضا الله عز وجل، ولذلك فإن أول واجب على العباد لا يمكن أن يدركوه بعقولهم، أي: البداية لا يمكن أن تدرك بمجرد العقول، لا تدرك إلا من خلال الرسل الذين بعثهم الله لهداية العباد، لذلك أخبر الله عز وجل أنه لو لم يبعث الرسل لاحتجت الأمم بذلك، قال تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}[الإسراء:١٥]، وقال:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء:١٦٥]، فلو كان الناس يدركون الواجب ويدركون ما يرضي الله بعقولهم لما قرر الله عز وجل هذه الحجة، وجعلها حجة قائمة لو لم يبعث الله الرسل، فهذا دليل على أن الناس لا يدركون الواجبات بعقولهم، ولا يقررون الدين بعقولهم، ولا يعرفون العقيدة تفصيلاً بعقولهم، ولا يتوصلون إلى ما يرضي الله عز وجل على جهة التشريع بعقولهم؛ فلذلك كان بعث الرسل حجة، والله عز وجل لو لم يبعث رسلاً لما عذّب العباد، ولكان في ذلك احتجاج من الأمم جميعاً فيما يقضيه الله عز وجل بينهم يوم القيامة.
والمقصود بالآية:{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ}[الأنعام:١٣٠] هي الآية: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ}[الأنعام:١٣٠]، هذا هو الظاهر وهذا مقتضى السياق؛ لأن القصد بعث الرسل، ولذلك استنبط بعض أهل العلم من هذه الآية الدلالة على أن الرسل كلهم بعثوا في الإنس، وبعضهم استنبط منها العكس.