للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:

[موقف العلماء تجاه قضية الجهاد في أفغانستان وغيرها وموقف الأمة تجاه العلماء]

السؤال

في الحرب ضد الأفغان سكت كثير من المشايخ المعروفين فيه، وقابل بعض الناس هذا السكوت بانتقاص من سكت والتقليل من شأنه ووصفه بالنفاق -نعوذ بالله-، وكذلك ارتفع شأن بعض من انتسب إلى العلم بأنهم كان لهم موقف في هذه القضية، فما وجه الحق في ذلك؟

الجواب

هذه فتنة، والفتنة تنقلب فيها الموازين، والناس يعيشون في هرج ومرج، ولا عبرة بمن هلك، ولا عبرة بالعواطف، ولا عبرة بما يحدث من التخليط عند الناس، إنما العبرة بالحق الذي سيبقى هو الأصل، وأما الزبد فسيذهب جفاء.

يدخل في هذه القضية السؤال عن الجهاد: هل هو فرض عين أم لا؟ سأجيب عن هذا الموضوع إجابة مجملة: في مثل هذه الأحداث الكبار يجب على المسلم أن يتوخى الأمور التالية: أولاً: يجب عليه أن يهتم بأمر المسلمين، فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، هذه الخطوة الأولى، بمعنى أن يهتم بالدرجة الأولى التي يملكها كل مسلم، وهو الاهتمام القلبي، وما يملكه من الدعاء، ومن النصح للأمة القاصي منها والداني بقدر ما يستطيع.

ثانياً: ليعلم كل مسلم في مثل هذه الظروف أن هذه فتن كبار، ومعضلات تدع الحليم حيران، ويضع في باله أن هذا نمط أو نوع من الفتن التي نبه عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وأرشد من خلال تنبيهه إلى قواعد معينة، نستفيد منها في هذا الظرف: أنه ينبغي لكل مسلم أن يفهم أنه ما دام قد اهتم بأمر الأمة وأحب لها الخير، وكره لها الهزيمة والذل، وحرص أن يمتلئ قلبه بحب الخير للأمة وكراهية الشر لها، وعلم أن ذلك هو الحد الذي لا يعذر به أحد، بعد ذلك ينبغي أن يفهم أنه ليس بإمكانه بفرده أن يحل مشكلات الأمة بهذا الحجم، برأي يتبناه دون تثبت، ولا بموقف عملي يتبناه، بحيث يقفز فيه ويتعدى الحواجز الشرعية والحواجز الواقعية، أمامك حواجز شرعية يجب أن تفقهها، وكلنا لسنا بمستوى أن يكون عندنا من الفقه الكافي، بحيث نتخطى الحواجز الشرعية، ونتخطى الحواجز الواقعية العملية، التي أصبحت الأمة الآن حبيسة لها، كل الأمة الإسلامية حبيسة لوضع راهن ثقيل أدى بها إلى الذلة والهوان في جملتها في العموم، وإن كانت بعض البلاد الإسلامية أسلم من بعض، وأنا عندما أذكر ما عليه الأمة من اختلاف وتشتت وفرقة دائماً أستثني دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، الدعوة السلفية التي أبقى الله بها الحق ظاهراً، وجعل أهلها ظاهرين بالحق إلى يومنا هذا بحمد الله، رغم ما عندنا من ضعف ومن تحول بسبب ذنوبنا، لكن نتحدث بنعمة الله التي أنعم علينا بها، ويجب أن نحافظ على النعمة.

كذلك رغم أن أحوال الأمة على مستوى مخز من الذل، إلا أنه -بحمد الله- لا تزال السنة عندنا ظاهرة، لكن مع ذلك نحن مقصرين؛ لأننا لم نقم بتحمل أعباء الأمة كلها، وما أصاب الأمة من الذلة والفرقة والضعف بسبب ذنوب المسلمين، ليس كل شيء نحيله على الكفار، نعم الكفار أخبر الله عز وجل عنهم بقوله: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:١٢٠].

{لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} [آل عمران:١١٨]، والآن أفواههم ملأت أسماعنا من البغض: {وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:١١٨] ليس في هذا شك، لكن أيضاً لا ننسى أننا بذنوبنا وما عند الأمة عموماً من البدع والشتات والفرقة والأهواء والأحزاب والانتماءات والصراعات، بحيث -لا قدر الله- لو انفجرت فتنة بالسلاح أظن أن أكثر المسلمين سيصوبونها إلى بعضهم بعضاً، وأرجو ألا يصدق ظني، لكن نحن نحكي عن سنن الله في خلقه.

مثال حال الذل: الآن (إندونيسيا) كم هم؟ قريب من مائتي مليون مسلم، ومع ذلك تحكمهم امرأة اختاروها هم: (ولا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة).

خذوا مثالاً آخر: (بنغلادش) أكثر من مائة وعشرين مليون مسلم وتحكمهم امرأة أيضاً كيف اختاروها؟ بالطرق الغربية، بالانتخابات، مجرد ما عرضت صورتها للغوغائية والشباب العاطفي ووجدوا صورتها جميلة رشحوها، هذه أمثلة، وما أحب أن أمرض قلوبكم، لكن يجب أن نعترف بأن الأمة ذليلة، وإذا كانت ذليلة فيجب أن تسعى للعز والقوة، لكن كيف تسعى؟ نعود إلى أصل القضية: هل من خلال تصرفات الأبطال، أن نقفز على حواجز الزمن، وحواجز المكان، وحواجز الظروف، وحواجز القواعد الشرعية، كما يفعل بعض الشباب الآن، إن كنت جاداً فأصلح نفسك وأصلح من حولك، أما الأمور الكبار كهذه فهي لأهل الحل والعقد.

قد يقول قائل: من هم أهل الحل والعقد؟ أهل الحل والعقد هم العلماء والولاة، وهؤلاء من يتصدى لهذه الأمور الكبار، أما أنت من باب نفع المجتمع فيجب أن تسهم بما تستطيع وبما يسعك شرعاً، أما هذا التفلت الآن ومحاولة الخروج من الواقع بغير فقه ولا عقل، فلا.

أما أمر الجهاد، فالجهاد تحت راية من؟ من الذي يقرر الجهاد؟ والجهاد له شروطه وضوابطه وله منهجه، ولا بد للأمور أن تؤخذ بقدر؛ لأن هذه الأمور م

<<  <  ج: ص: