للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرق بين وجود الخالق ووجود المخلوق]

ثم قرر الشيخ بعد ذلك هذا بقاعدة: أن هذه الكائنات الناقصة الحادثة الفانية موجودة، وهناك وجود آخر وهو وجود الحق عز وجل الخالق البارئ المصور الذي ليس قبله شيء، حيث قال: فهو الأول الذي ليس قبله شيء، وهذا فيه دلالة ظاهرة على أن هناك أولاً، فالأول الذي ليس قبله شيء هو الله عز وجل، الذي وجوده أزلي، وهناك في الوجود حادث مخلوق لا يقابل الأول؛ لأنه سبحانه هو الآخر الذي ليس بعده شيء، ومن هنا يتجلى مدى كمال الله عز وجل وتصور ذلك في الأذهان، وهو إحكام الكمال المطلق لله بقولنا: هو الأول الذي ليس قبله شيء، وهو الآخر الذي ليس بعده شيء، وبين الأولية والآخرية وجود مفتقر حادث ليس هو الأول المطلق ولا الآخر المطلق وهو المخلوقات؛ لذلك قوله: (ليس قبله شيء) دليل على أن المخلوقات حادثة، (وليس بعده شيء) دليل على أن الدوام لله عز وجل، وما يدوم شيء إلا بقدرة الله سبحانه، فدوام المخلوقات مثل: الجنة والنار هذا دوام من تقدير الله وخلقه، مفتقر في دوامه إلى الله وتقديره، فلو لم يقدر الله دوام هذه الشئون لما كان لها دوام، ودوامها أيضاً لا يمكن أن يعبر عنه بأنه الذي ليس بعده شيء؛ هذا لا يجوز إلا لله.

إذاً: هناك فرق بين من ليس قبله شيء وهو الله عز وجل، وهو الآخر الذي ليس بعده شيء، وبين ما هو مفتقر في وجوده وبقائه وفنائه وبعثه إلى الله عز وجل، وتقدير جميع أحواله.

<<  <  ج: ص:  >  >>