[إنكار ابن عربي خلق الله لأفعال العباد]
قال رحمه الله تعالى: [فهو سبحانه هو الذي جعل الحي حياً، بل هو الذي جعل المسلم مسلماً والمصلي مصلياً، كما قال الخليل عليه السلام: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} [البقرة:١٢٨] وقال: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم:٤٠].
وهذه مسألة خلق أفعال العبيد وهي مذهب أهل السنة والجماعة مع اتفاقهم على أن العبد مأمور منهي مثاب معاقب موعود متوعد، وهو سبحانه الذي جعل الأبيض أبيضاً والأسود أسوداً، والطويل طويلاً والقصير قصيراً، والمتحرك متحركاً والساكن ساكناً، والرطب رطباً واليابس يابساً، والذكر ذكراً والأنثى أنثى، والحلو حلواً والمر مراً.
ومع هذا فالأعيان تتصف بهذه الصفات، والله تعالى خالق الذوات وصفاتها، فأي عجب من اتصاف الذات المخلوقة بصفاتها؟! ومن أين يكون الله خالق ذلك كله بالحق؟ فإذا قال القائل: الرب حق والعبد حق.
فإن أراد به أن هذا الحق هو عين هذا فهذا هو الاتحاد والإلحاد، وهذا هو الذي ينافي التكليف، وإن أراد أن العبد حق مخلوق خلقه الخالق فهذا مذهب المسلمين، وذلك لا ينافي أن يكون الخالق ممكناً للمخلوق، كما أنه خالق له.
وقوله: إن قلت: عبد فذاك ميت.
كذب؛ فإن العبد ليس بميت، بل هو حي أحياه الله تعالى، كما قال تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة:٢٨]، والله لا يكلف الميت وإنما يكلف الحي، وإذا قيل: إنه أراد بقوله: ميت.
أنه باعتبار نفسه لا حياة له، قيل: تفسير مراده بهذا فاسد لفظاً ومعنى، أما اللفظ فلأن كلامه لا يقتضي ذلك، وأما المعنى فلأنه إذا فسر ذلك لم يناف التكليف.
فإذا كان ميتاً لولا إحياء الله وقد أحياه الله، فقد صار حياً بإحياء الله له، وحينئذ فالله إنما كلف حياً لم يكلف ميتاً، وأما أقوال إخوان الملاحدة والمحامين عنهم أنه قال: ليت شعري من المكلف؟ مع علمه بأن التكليف حق فحار لمن ينسبه في القيام به، فقال: إن قلت: عبد فذاك ميت.
والميت ليس له من نفسه حركة، بل من غيره يقلبه كما يشاء.
وكذلك العبد وإن كان حياً فإنه مع ربه كالميت مع الغاسل، ليس له من نفسه فعل بغير الله، فيقال لهم: هذا العذر باطل من وجوه].
قبل أن أستعرض الوجوه، أو ربما نستغني عن استعراض الوجوه؛ لأن الشيخ هنا أراد أن يقرر أنه من نعم الله عز وجل أن أعطى العبد شيئاً من القدرة والاختيار، وأيضاً الله عز وجل هو خالق العبد وأفعاله، لكن ذلك لابد أن يرد بعضه إلى بعض، بمعنى أننا حين نقول بأن الإنسان أعطاه الله قدرة خاصة وأعطاه حرية واختياراً، فإن ذلك محكوم ومربوط بعموم مشيئة الله، فإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، والله عز وجل خالق العباد وخالق أفعالهم، لكن عندهم شيء من القدرة والحرية تحت إذن الله ومشيئته، هذا ما أراد أن يقرره الشيخ.
أما أن يقال: إن الإنسان كالميت بين يدي المغسل فهذا الجبر، ليس صحيحاً أنه كالميت مطلقاً، فهو حي يريد إنقاذه، كذلك العكس من زعم أن الإنسان يقدر أشياء لا يقدرها الله عز وجل، ويفعل أشياء لا يقدرها الله عز وجل فهذا باطل، وهو مذهب القدر المذموم، فالأمر الحق بين هذين الأمرين سيذكره الشيخ ونقرؤه؛ لأنه قليل.