[القول بأن الله هو الزمان بين الحلولية والاتحادية وبين أهل السنة]
قال رحمه الله تعالى: [وأهل الإلحاد القائلون بالوحدة أو الحلول أو الاتحاد، لا يقولون: إنه هو الزمان، ولا إنه من جنس الأعراض والصفات، بل يقولون: هو مجموع العالم، أو حال في مجموع العالم، فليس في الحديث شبهة لهم لو لم يكن قد بين فيه أنه سبحانه مقلب الليل والنهار، فكيف وفي نفس الحديث أنه بيده الأمر يقلب الليل والنهار؟ إذا تبين هذا فللناس في الحديث قولان معروفان لأصحاب أحمد وغيرهم.
أحدهما: وهو قول أبي عبيد وأكثر العلماء: أن هذا الحديث خرج الكلام فيه لرد ما يقوله أهل الجاهلية ومن أشبههم؛ فإنهم إذا أصابتهم مصيبة أو منعوا أغراضهم أخذوا يسبون الدهر والزمان، يقول أحدهم: قبح الله الدهر الذي شتت شملنا، ولعن الله الزمان الذي جرى فيه كذا وكذا.
وكثيراً ما جرى من كلام الشعراء وأمثالهم نحو هذا، كقولهم: يا دهر فعلت كذا، وهم يقصدون سب من فعل تلك الأمور، ويضيفونها إلى الدهر، فيقع السب على الله تعالى؛ لأنه هو الذي فعل تلك الأمور وأحدثها، والدهر مخلوق له هو الذي يقلبه ويصرفه.
والتقدير: أن ابن آدم يسب من فعل هذه الأمور وأنا فعلتها، فإذا سب الدهر فمقصوده سب الفاعل، وإن أضاف الفعل إلى الدهر، فالدهر لا فعل له؛ وإنما الفاعل هو الله وحده.
وهذا كرجل قضى عليه قاض بحق أو أفتاه مفت بحق، فجعل يقول: لعن الله من قضى بهذا أو أفتى بهذا، ويكون ذلك من قضاء النبي صلى الله عليه وسلم وفتياه، فيقع السب عليه، وإن كان الساب لجهله أضاف الأمر إلى المبلغ في الحقيقة، والمبلغ له فعل من التبليغ، بخلاف الزمان، فإن الله يقلبه ويصرفه.
والقول الثاني: قول نعيم بن حماد وطائفة معه من أهل الحديث والصوفية: أن الدهر من أسماء الله تعالى، ومعناه: القديم الأزلي، ورووا في بعض الأدعية: يا دهر يا ديهور يا ديهار، وهذا المعنى صحيح؛ لأن الله سبحانه هو الأول ليس قبله شيء، وهو الآخر ليس بعده شيء؛ فهذا المعنى صحيح، إنما النزاع في كونه يسمى دهراً بكل حال].
هذه العبارات أشار الشيخ إلى أن معناها صحيح، لكن لا يدل ذلك على أنه يرى الدعاء بمثل هذه العبارات الموهمة، وإنما الله عز وجل يدعى بأسمائه وصفاته، ولا حاجة لنا بأن ندعو بأدعية ليست واردة في النصوص، ثم أيضاً تحمل معاني محتملة، وقد يتوهم منها السامع معاني غامضة، فلا ينبغي أن نسلك مثل هذه العبارات الغامضة الموهمة.
كذلك وإن قال الشيخ بأن الدهر والديهور والديهار معانيها صحيحة؛ لأنها إشارة إلى المسبب وهو الله عز وجل الخالق المدبر، إلا أن هذه العبارات يجب أن تجتنب في الدعاء، وإن حملت معاني صحيحة، مادامت محتملة، والذين يستعملونها غالباً لهم تفسير لهذه المصطلحات فيه شيء من الخطأ أو البدعة.
قال رحمه الله تعالى: [فقد أجمع المسلمون -وهو مما علم بالعقل الصريح- أن الله سبحانه وتعالى ليس هو الدهر الذي هو الزمان، أو ما يجري مجرى الزمان؛ فإن الناس متفقون على أن الزمان الذي هو الليل والنهار.
وكذلك ما يجري مجرى ذلك في الجنة، كما قال تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم:٦٢]، قالوا على مقدار البكرة والعشي في الدنيا، وفي الآخرة يوم الجمعة يوم المزيد، والجنة ليس فيها شمس ولا قمر، ولكن تعرف الأوقات بأنوار أخر، قد روي أنها تظهر من تحت العرش، فالزمان هنالك مقدار الحركة التي بها تظهر تلك الأنوار].