للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل في امتناع الاتحاد والحلول الذاتي المتجدد وإبطال قول من قال: ما ثم تعدد]

يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [فصل.

وأما اتحاد ذات العبد بذات الرب، بل اتحاد ذات عبد بذات عبد، أو حلول حقيقة في حقيقة كحلول الماء في الوعاء؛ فهذا باطل قطعاً، بل ذلك باطل في العبد مع العبد؛ فإنه لا تتحد ذاته بذاته، ولا تحل ذات أحدهما في ذات الآخر.

وهذا هو الذي وقعت فيه الاتحادية والحلولية، من النصارى وغيرهم من غالية هذه الأمة وغيرها، وهو اتحاد متجدد بين ذاتين كانتا متميزتين، فصارتا متحدتين، أو حلول إحداهما في الأخرى؛ فهذا بين البطلان].

بمناسبة إشارة الشيخ إلى أن مذهب الاتحادية والحلولية ووحدة الوجود من النصارى وغيرهم من غالية هذه الأمة، يحسن التنويه إلى أن أغلب الطرق الصوفية تنتهي إلى هذه العقيدة قديماً وحديثاً إلى يومنا هذا، التي تعتمد البدع والأوراد البدعية في العبادات، والسماعات والتعلق بالشيوخ من قبل المريدين إلى آخره، فهم في حقيقة الأمر وصل الأمر بهم إلى اعتقاد وحدة الوجود، وهذا أمر محقق علمياً، ولا يمكن أن يستثنى منه إلا النادر من الطرق التي نشأت حديثاً، مثل: مهدية السودان ونحوها، هذه إلى الآن ما يعرف أنها وصلت إلى هذا الاعتقاد، لكن فيها من البدع والطوام ما يجعلها في مصاف الطرق البدعية.

أما اعتقاد وحدة الوجود فعليه سائر الطرق، فقد وصل الأمر عند كبرائهم وشيوخهم وفي كتبهم المعتمدة إلى اعتقاد وحدة الوجود.

قال رحمه الله تعالى: [وأبطل منه قول من يقول: ما زال واحداً وما ثم تعدد أصلاً، وإنما التعدد في الحجاب، فلما انكشف الأمر رأيت أني أنا، وكل شيء هو الله، سواء قال بالوحدة مطلقاً، أو بوحدة الوجود المطلق دون المعين، أو بوحدة الوجود دون الأعيان الثابتة في العدم.

فهذه وما قبلها مذاهب أهل الكفر والضلال، كما أن الأولى مذهب أهل الإيمان والعلم والهدى ومن كفر بالحق من ذلك أو آمن بالباطل، فهما في طرفي نقيض، كاليهود والنصارى].

أشار الشيخ أكثر من مرة إلى مسألة التعدد في الحجاب، وهذه عبارة كثير من أهل البدع الذين إما أنهم انتهوا إلى الاتحاد ووحدة الوجود والحلول، أو على الأقل مالوا إلى هذا المذهب الخبيث، فهؤلاء دائماً يتكلمون عن الحجاب، ويقصدون بذلك تسويغاً لمذهبهم الباطل، أما الأنبياء وأتباعهم من الصالحين أهل الحق والهدى فقلوبهم وعقولهم محجوبة عن حقيقة الاتحاد ووحدة الوجود والحلول، يعني: أن مدارك أهل الإيمان من النبيين وأتباعهم وعقولهم لا تدرك هذه الحقيقة بزعمهم، وأن هذه الحقيقة لا تنكشف إلا لخواص الخواص، والخصوصية عندهم هي الإلحاد، إذا وصل المرء عندهم إلى درجة الإلحاد؛ وصل إلى الخصوصية، فيزعمون أنه إذا وصل إلى هذه الدرجة ارتفعت عنه الحجب، فرأى أن الكون واحد، وأنه لا فرق بين الخالق والمخلوق، وأن الله هو الخلق والخلق هو الله، تعالى الله عما يزعمون.

<<  <  ج: ص:  >  >>