[الفرق بين ما يمنحه الله من آثار ربوبيته لعباده الصالحين وبين ما يمنحه من هذه الآثار لغيرهم]
قال رحمه الله تعالى: [فصل.
فهذا فيما يشبه الاتحاد أو الحلول في معين، كنبي أو رجل صالح ونحو ذلك.
قد بينا ما فيه من الحق المحض، وما فيه من الحق الملبوس بباطل، وسنبيّن إن شاء الله ما فيه من الباطل المحض].
ولذلك أحب أن أنبه إلى ما يشير إليه الشيخ هنا، فقوله: (يشبه الاتحاد أو الحلول في معين كنبي أو رجل صالح أو نحو ذلك) يعني: أن الاتحاد والحلول في المعين له وجه حق ووجه باطل على ضوء ما سبق، وجه الحق في حلول معاني الربوبية والألوهية في قلوب الصالحين، وجه الحق في كونهم امتلأت قلوبهم بخشية الله عز وجل وتقواه ومحبته، في كونهم حلّت عظمة الله في قلوبهم، وأن الله ربهم ومعبودهم وإلههم، وامتلأت قلوبهم بالمعاني الإيمانية والإنابة إلى الله عز وجل، والاستجابة لله سبحانه وتعالى بالعمل الصالح، فهذا قد يسمى لغة: حلولاً، لكن ليس حلول الإله، وإنما حلول تعظيم الإله في قلوب العباد.
ثم ذكر ما ينافيه من الحق المحض، وما فيه من الحق الملبوس بباطل، وهو ما وجد عند بعض العُبّاد الذين عبدوا الله أولاً على طريق صحيح، لكن تجاوزوا في العبادة إلى حد ادعوا فيه الاستغناء عن عبادة الله عز وجل، فهذه عبادة فيها جانب من الحق وهو توجههم إلى الله بقلوبهم، وجانب من الباطل وهو زعمهم أنهم بتحقيقهم للربوبية استغنوا عن الإلهيات، وهذه سيبينها الشيخ كما في فصل قادم.
قال رحمه الله تعالى: [وهذا القسم إنما يقع فيمن يعبد الله سبحانه ويتولاه، أو يُظن به ذلك، فإنه بذلك تظهر ألوهية الله في عبده، وتظهر إنابة العبد إلى ربه، وموافقته له في محبته ورضاه].
هذا المعنى الذي أشار إليه الشيخ قد يسمى لغة: حلولاً، لكن ليس حلول الله، ولا جزءاً من الله، ولا شيئاً من خصائص الله عز وجل في المخلوقين، ولا حتى في أفضل الخلق، لا يمكن، إنما المقصود أن هؤلاء الصالحين حلت ألوهية الله وربوبيته في قلوبهم، وامتلأت بها حتى تمثلت في عقيدتهم، وفي أعمالهم والتزامهم بدين الله وأمره ونهيه.
قال رحمه الله تعالى: [وتظهر إنابة العبد إلى ربه، وموافقته له في محبته ورضاه وأمره ونهيه.
وقد يشتبه بهذا قسم آخر؛ وهو ما يظهره الرب من آثار ربوبيته في بعض عباده، وإن كان ذلك ليس مأموراً به ولا هو عبادة له، مثل ما يعطيه من ملكه وسلطانه بعض الملوك المسلطين، ممن قد يكون مسلماً وقد لا يكون، كفرعون وجنكيز خان ونحوهما، وما يهبه من الرزق والمال لبعض عباده، وما يقسمه من الجمال لبعض عباده من الرجال والنساء].
أي: أن الله عز وجل قد يظهر من آثار ربوبيته في بعض العباد وإن لم يكونوا حققوا الألوهية والعبادة، وذلك أن الله عز وجل ضمن لجميع الخلق الرزق، وآتى الملك من يشاء من العباد، وآتى الدنيا من يشاء، يؤتي الملك من يشاء سبحانه، فهذا أمر متعلق بالربوبية، وتحقيق تقدير الله للعباد بالرزق والتوفيق والملك والسلطان في الدنيا، لا يلزم أن يكون دليلاً على رضاه سبحانه، بل هذا أمر يعطيه المؤمن وغير المؤمن.
فإذاً: تحقيق هذه الأمور لبعض العباد وإن لم يكونوا من الصالحين ولا من المؤمنين، ليس دليلاً على التوفيق ولا على أنهم حققوا الإلهية.
قال رحمه الله تعالى: [وكذلك ما يهبه من العلوم والمعارف، أو يهبه من الأحوال، أو يعطيه من خوارق العادات من أنواع المكاشفات والتأثيرات، سواء كان هؤلاء مؤمنين أو كفاراً مثل: الأعور الدجال ونحوه].
الخوارق هي من الربوبية ومن أقدار الله عز وجل، ولا يلزم أن يكون تحقيقها للعباد الصالحين فحسب، فالله عز وجل قد يهب الخوارق للكافر وللمسلم، للصالح والفاسق، لكن الخوارق والمكاشفات والتأثيرات التي تتم للأنبياء والصالحين والمؤمنين من باب الكرامات، وإذا تمت لغير المؤمنين فهي من الفتنة والاستدراج، وهذه الخوارق والأشياء التي يحققها الله عز وجل بربوبيته وقدره لعباده، إن تمت على يد رجل صالح على السنة فهي كرامة، وإن تمت على يد رجل مسلم لكن على البدعة فهي فتنة.
قال رحمه الله تعالى: [فإنه في هذا القسم يقوم في العبد المعيّن من آثار الربوبية وأحكام القدرة أكثر مما يقوم بغيره، كما يقوم بالقسم الأول من آثار الألوهية وأحكام الشرع أكثر مما يقوم بغيره، وقد يجتمع القسمان في عبد، كما يجتمع في الملائكة والأنبياء والأولياء، مثل: نبينا صلى الله عليه وسلم، والمسيح ابن مريم عليه السلام وغيرهما].
يعني: تحقق في مثل هؤلاء من عباد الله، ومنهم أفضل الخلق، تحقق فيهم المعنيان: الربوبية، والألوهية، وآثار الربوبية، وآثار الألوهية، فهؤلاء الأنبياء حققوا بقلوبهم وجوارحهم ما أراده الله عز وجل منهم، بأن آمنوا بالقدر، وعبدوا الله عز وجل على ما شرع، فتحققت لهم آثار الربوبية والألوهية على نحو لم يكن عند غيرهم، فمن آثار ذلك الاستقامة، ثم بما أكرمهم الله به من المعجزات، ولا شك أن الله عز وجل أكرم النبيين والمرسلين عموماً، وأكرم عيسى ومحمداً صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص من آثار الربوبية والإلهية ما لم يكن لغير