[تقييم كتاب (الفصوص لابن عربي) وما تضمنه من معاني]
قال رحمه الله تعالى: [وكنت أخاطب بكشف أمرهم لبعض الفضلاء الضالين، وأقول: إن حقيقة أمرهم هو حقيقة قول فرعون المنكر لوجود الخالق الصانع، حتى حدثني بعض عن كثير من كبرائهم أنهم يعترفون، ويقولون: نحن على قول فرعون].
وابن عربي نفسه كتب كتاباً وهو موجود وطبعه بعض الملاحدة المعاصرين، الذين يعنون بهذه الزبالات من الأفكار السخيفة، اسم كتاب ابن عربي (إيمان فرعون) نسأل الله العافية والسلامة، وهذا هو مذهب كبار الحداثيين الآن، ويتعلقون بهذه الأفكار، ويمجدون ابن عربي والتلمساني وابن الفارض والقونوي وغيرهم من أئمة الضلالة، يمجدونهم ويمجدون تراثهم وينبشون عنه ويخرجونه، ويحققونه ويعلقون عليه، ويجتمعون حوله، لكنهم يتلونون ويلونون مذاهبهم بألوان أدبية وفكرية وثقافية، وكل يوم يأتوننا بشيء من دواهيهم ومصائبهم، نسأل الله أن يكفينا شرهم.
قال رحمه الله تعالى: [وهذه المعاني كلها هي قول صاحب الفصوص، والله تعالى أعلم بما مات الرجل عليه، والله يغفر لجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:١٠].
والمقصود أن حقيقة ما تضمنه كتاب الفصوص المضاف إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، أنه جاء به، وهو ما إذا فهمه المسلم علم بالاضطرار أن جميع الأنبياء والمرسلين، وجميع الأولياء والصالحين، بل جميع عوام أهل الملل من اليهود والنصارى والصابئين يبرءون إلى الله تعالى من بعض هذا القول، فكيف منه كله؟ ونعلم أن المشركين عباد الأوثان والكفار أهل الكتاب يعترفون بوجود الصانع الخالق البارئ المصور، الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ربهم ورب آبائهم الأولين، رب المشرق والمغرب.
ولا يقول أحد منهم: إنه عين المخلوقات، ولا نفس المصنوعات، كما يقوله هؤلاء، حتى إنهم يقولون: لو زالت السماوات والأرض زالت حقيقة الله، وهذا مركب من أصلين].
سبق أن تكلم الشيخ عن هذين الأصلين في أول الكتاب فلا داعي إلى إعادتهما، لكني ألخصهما.
يعني: أن اتجاه الحلول والاتحاد ووحدة الوجود الذي عليه ابن عربي وأضرابه يقوم على أصلين فلسفيين: الأصل الأول: أن المعدوم شيء ثابت في العدم، وسبق أن علل شيخ الإسلام ذلك وذكرته لكم، قال: إن الفلاسفة لا يعتقدون أن الله عز وجل فعال لما يريد، ولا يعتقدون أن قدرة الله مطلقة، إنما هي مقيدة بنظم هم يضعونها أو يتصورونها ويتوهمونها، ولذلك قالوا: يجوز على الله أن يفعل كذا ولا يجوز أن يفعل كذا، ويمكن أن يفعل كذا ولا يمكن أن يفعل كذا إلى آخر ذلك من الترهات، فهم بنوا وجود الخلق على أنه خلق من عناصر موجودة في أصلها، وأن هذه العناصر ثابتة في العدم، بمعنى أنها مكونات موجودة في الوجود، وأن الله عز وجل إنما أوجد الموجودات من أصل ثابت، وأن المعدوم هو هذه المكونات التي هي أصل الخلق، والوجود هو الخلق نفسه، وهذه فلسفة تؤكد وتوضح أن الفلاسفة ملاحدة دهريون.
الأصل الثاني أيضاً متفرع عن ذلك: وهو أن وجود المحدثات (المخلوقات) هو عين وجود الخالق، فلا يفرقون، فعندهم الوجود هو الله، والله هو الوجود، تعالى الله عما يزعمون، وهذا رغم أنه مصادم للعقل السليم ومصادم للفطرة وغير معقول، إلا أن الشيطان قد زينه لهم في شبهات، حتى قلبوا الأمر فجعلوا الحق باطلاً والباطل حقاً، دون أن يكون عندهم التباس في الإلحاد، فهم ملحدة ملاحدة صرحاء في الإلحاد، ولذلك سنكتفي الآن بتقرير مذاهب هؤلاء القوم الذين يمجدهم كثير ممن يسمون بالمفكرين والمثقفين والحداثيين والأدباء، ويبكون عليهم وعلى أطلالهم وتراثهم؛ لنرى ما هم عليه من خلال هذا العرض الذي هو استقراء من كتبهم ومذاهبهم، وهو استقراء من قبل شيخ الإسلام حينما عرف مذاهبهم وكتبهم وأقوالهم الثابتة عنهم، وأكثرهم ممن عاصروا شيخ الإسلام أو قبله بقليل.
قال رحمه الله تعالى: [لكن ابن عربي أقربهم إلى الإسلام].
برغم الإلحاد الصريح لـ ابن عربي إلا أنه مع ذلك يعد من أقرب الفلاسفة المتكلمين للإسلام؛ لأنه أحياناً يعترف بالحق، وعنده ما يسمى بالاهتمام بالأخلاقيات والسلوكيات، أما البقية ففجرة في جميع أحوالهم، لا يعترفون بفضيلة ولا يقرون بسلوك حسن ولا بشرع.
أما ابن عربي رغم أنه ملحد في الاعتقاد ومضطرب إلا أنه أحياناً يدعو إلى الفضائل ويظهر التعبد ويأمر به، لكن على منهجه الشركي، فهذه مفاضلة بين أناس كلهم على الشرك، كما نقول في المشركين مشركي الجاهلية: فلان أخف شركاً من فلان؛ لأن فلاناً ما كان يعبد إلا صنماً واحداً، وذاك يعبد عدة أصنام، يعني: المسألة مسألة أيهم أق