للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[العلم بالله وذكره والعمل له أصل كل الأمور وجامعها]

قال رحمه الله تعالى: [وإنما الغرض هنا أن الله سبحانه لما كان هو الأول الذي خلق الكائنات، والآخر الذي إليه تصير الحادثات، فهو الأصل الجامع؛ فالعلم به أصل كل علم وجامعه، وذكره أصل كل كلام وجامعه، والعمل له أصل كل عمل وجامعه.

وليس للخلق صلاح إلا في معرفة ربهم وعبادته، وإذا حصل لهم ذلك؛ فما سواه إما فضل نافع، وإما فضول غير نافعة، وإما أمر مضر].

أي: أن الله عز وجل هو الذي خلق الكائنات، وهو الذي تصير إليه الحادثات، والعلم بالله عز وجل على الوجه الشرعي هو الأصل الجامع، العلم بالله بأسمائه وصفاته وأفعاله وبحقه عز وجل، والعلم بما يجب له من العبادة والإذعان والطاعة، هذا هو الأصل الجامع، وهو أصل كل علم، ثم فرع هذا الأصل وأنه ينقسم إلى علم وعمل من ناحية، ومن ناحية أخرى: أنه هو العلم الفاضل، وغيره مفضول، أو فضلة: إما نافع وهو العلوم الدنيوية التي تصلح بها أحوال الناس، وإما غير نافعة وهي العلوم التي لا تؤدي مصلحة للعباد في دنياهم، وليست من مطالب دينهم؛ مثل ما يشتغل به علماء الكلام من الأمور البدهية الفطرية في تحقيق الربوبية، والمبالغة في ذلك من فضول العلم؛ لأنه مضر للخلق، والذي لا يضر منه لا ينفع.

قال رحمه الله تعالى: [ثم من العلم به].

يعني: من العلم بالله عز وجل وحقوقه وما يجب له تتشعب أنواع العلوم الأخرى.

قال رحمه الله تعالى: [ثم من العلم به تتشعب أنواع العلوم، ومن عبادته وقصده تتشعب وجوه المقاصد الصالحة، والقلب بعبادته والاستعانة به معتصم مستمسك قد لجأ إلى ركن وثيق، واعتصم بالدليل الهادي والبرهان الوثيق، فلا يزال إما في زيادة العلم والإيمان، وإما في السلامة عن الجهل والكفر.

وبهذا جاءت النصوص الإلهية في أنه بالإيمان يخرج الناس من الظلمات إلى النور، وضرب مثل المؤمن -وهو المقر بربه علماً وعملاً- بالحي، والبصير، والسميع، والنور، والظل.

وضرب مثل الكافر بالميت، والأعمى، والأصم، والظلمة، والحرور.

وقالوا في الوسواس الخناس: هو الذي إذا ذكر الله خنس، وإذا غفل عن ذكر الله وسوس.

فتبين بذلك أن ذكر الله أصل لدفع الوسواس، الذي هو مبدأ كل كفر وجهل وفسق وظلم].

المقصود بالوسواس هنا: كل عمل الشيطان، الوسواس بمفهومه الشامل، لا يظن أن الوسواس هو وسواس الطهارة أو العبادة، لا، هذا جزء من الوسواس، وليس هو الوسواس الأخطر، إنما الوسواس الأخطر هو ما يتعلق بالعقيدة أولاً، ومن الوساوس تلك الأوهام والتخرصات التي أحدثها الفلاسفة والمتكلمون، وأدخلوها على المسلمين وصاروا يتكلمون فيها على أنها هي المنهج الأمثل لتقرير التوحيد، وجاءوا بقضايا العرض، والجوهر، والمباينة، والمفاصلة، وعرضوا أسماء الله عز وجل وأفعاله على مدارك عقولهم القاصرة، وعرضوا الغيبيات على مدارك عقولهم القاصرة؛ كل هؤلاء أصحاب وسواس، ليست وساوس العبادات التي تصرف الناس عن بعض أحكام الطهارة ونحوها، بل وسواس الشبهات، وسواس العقائد الذي يصرف الناس إما عن الدين بالكلية، وإما عن السنة إلى البدع، وهذا ما أراده الشيخ.

وكأنه يشير إشارة واضحة إلى أن كل مناهج الفلاسفة والمتكلمين التي خرجوا بها عن مقتضى السنة كلها من باب الوسواس، وهذا مما لا شك فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>